الشاعر عباس حيروقة: رسمُ الأجمل من خيالات أطفالنا عبر ورش إبداعية دائمة الانعقاد!
ثمة تشويهٌ مريع أُلحِقَ بأطفالنا جراء الحرب على سورية وما أفرزته من قبح وظاهرة أبناء الكراهية والكهوفّ، ولا بدّ لنا من إعلان الاستنفار العام لترميم هذا الخراب، وإعادة الطفل إلى طفولته الحقيقية، إلى مدرسته ورسومه وطائراته الورقية وأناشيده التي أراد لها الظلاميون الإرهابيون الضياع.
يطلق الشاعر عباس حيروقة صرخة مدوية، صرخة محبة وجمال وسلام في وجه الخراب، داعياً إلى الوقوف بجرأة والبحث في أسباب ما آل إليه حالنا وحال أطفالنا بعد عشر سنوات من الحرب على سورية، والتأسيس لمنظومة عمل طفلية جديدة تعمل وفق مشروع مؤسساتي وبالتعاون مع المجتمع الأهلي للخروج من الحلقة الجهنمية التي أرادها التكفير والإرهاب لمستقبل سورية.
«تشرين» كان لها مع الشاعر حيروقة هذا اللقاء..
*ما الذي يجعل أغنية الطفل اليوم أكثر أهمية في ظروف العدمية والتكفيرية التي حاول الإرهابيون تلقينها لأطفالنا خلال السنوات الماضية؟
**بداية علينا أن نؤكد أن الأهمية الكبرى تتأتى من الاهتمام بأدب الطفل ككل، وليس بالأغنية فحسب أي بالشعر وحده، وذلك لأسباب جد هامة، مثلما تفضلت به من ثقافة عدمية تكفيرية حاول الإرهابيون تلقينها لأطفالنا خلال السنوات الماضية أنموذجاً. أي بعد مضي كل هذه السنوات العشر أرى أنه من البداهة الوقوف وقفة جريئة والعمل على قراءة الواقع قراءة نقدية والبحث في أسباب ما آل إليه حالنا وحال أطفالنا لنرى وبكل وضوح ما أُلْحِقَ بهم من خلل. نعم ثمة تَشوُّهٌ كبيرٌ ومريعٌ، تَشوُّهٌ قيميّ وأخلاقيّ وجماليّ وبصريّ وحسيّ ونفسيّ واجتماعيّ، إلخ…
أطفالنا الذين تدرّبوا في العقود الماضية على تهجية مفردات السماء ليلاً وقراءتها، ففاضت أرواحهم نوراً وضوءاً وأقماراً وشُهباً ونيازك.. أطفالنا الذين تدرّبوا على المشي حفاةً على ضفاف أنهار من حنين وشوق، تأملوا حقول القمح بكل امتداداتها الـخُضْر والصُّفْر، أصغوا مُطوّلاً إلى صوت الريح بين غابات السنديان، وأصاخوا السمع مليّاً لصوت المطر، وهو يقرع بكلِّ حُنوٍّ نوافذَ بيوتهم. أطفالنا الذين علقت عيونهم بالسماء، وهي تلاحق بفرحٍ أسرابَ الحمام واليمام، وطائراتهم الورقية بألوانها المبهجة..أطفالنا أطفال العقود الماضية، أمّا أطفال العقد الأخير، ولا سيما في مدنٍ وقُرىً لا يزال الظلامُ والعطشُ شديدَينِ ومديدَينِ فيها، فإنني أتساءل:
من يعيد إليهم صفاء السماء وأقمارها والحمام واليمام؟ من يعيد حقول قمحنا وغاباتنا، والطائرات الورقية، والمدارس، والكتب، والحكايات، والأناشيد؟. علينا جميعا العمل على إعادة رسم الصورة السورية الأجمل في خيال طفلنا من خلال العمل ورش عمل إبداعية وإدارية يشرف عليها أهل اختصاص واعتبار هذه الورش دائمة الانعقاد.
*ما هي أهم الموضوعات التي ينبغي لأغنية الطفل أن تركز عليها ؟
**لا شك في أن من أهم الموضوعات هي التي تعزز ثقافة العقل السوري من خير ومحبة وجمال. هذه الثقافة الكونية الإنسانية التي تتغنى بحضارات الشعوب والقيم الإنسانية جمعاء، ينبغي على الإبداع الطفلي عامة والشعري خاصة العمل على إعادة ذاك الكم الكبير من النور والألق السوري والتغني بجمال الطبيعة وإعادة ذاك الطفل إلى طفولته الحقيقية إلى مدرسته ودفاتر رسمه وطائراته الورقية وأناشيده الإنسانية بعيداً عن تلك التي قدّمها له الإرهابيون مليئة بالدم والذبح!.
*ماذا قدمت المؤسسات المعنية لتطوير أغنية الطفل وهل هناك خطط وبرامج في هذا المجال؟
**لا شك في أن ثمة تقصيراً هنا وهناك، ولسنا في وارد تشخيصه، لكن ثمة مؤسسات وإدارات أهلية ورسمية تعمل معاً لإعادة رسم مشهد ثقافي طفلي يليق بالعقل وبالأرض السورية، أدعو من هذا المنبر إلى التأسيس لمنظومة عمل طفلية جديدة تعمل وفق مشروع مؤسساتي وبالتعاون مع جمعيات مدنية أهلية للوقوف على حال طفلنا العربي عامة والسوري بشكل خاص، علينا أن نعيد النظر بمعظم ما يعرض اليوم وما يطرح أمام طفلنا من نتاج يعنى به، وبواقعه، ومستقبله واضعين برامج ذاك الزمن الجميل نصب أعيننا، برامج زرعت ونمّت بذور المحبة والقيم والمشاعر الإنسانية في داخلنا وأطلعتنا على حضارات وقصص شعوب وأمم كان لها الأثر الكبير في بناء هذا العالم مثل: السندباد والعم علاء الدين -افتح يا سمسم- ساندي بل- هايدي- النسر الذهبي- عدنان ولينا- السنافر- النسر الذهبي- ماجد اللعبة الخشبية- ساسوكي- نقار الخشب- جزيرة الكنز- سنان…الخ. ثمة مسؤوليات جمة تقع على عاتقنا جميعاً أدباء وكتاباً وأفراداً ومؤسسات،علينا أن نكون بحجم ما قد يعترضنا من أخطار فلا قدرة لدينا على تحمل خسارات وانكسارات وهزائم جديدة.
من هنا أقول: كم علينا أن نفكر! كم علينا أن نمتلك إرادة التفكير وقراره! كم علينا أن نتحرر من عبوديتنا، ونصرخ صرختنا المدوية، صرخة المحبة والجمال والسلام، في وجه الحرب على سورية وما أفرته القبح وثقافة الكراهية، ثقافة أبناء الكهوف! وبما أننا نتحدث عن أغنية طفل سوري أختم ببعض أغنية تربينا على سماعها من برنامج أطفال «حكايات عالمية» المذهلة:
«في قصص الشعوب/طرائف لا تنتهي/ وعالم حلوٌ بهي/ يسكن في القلوب/ في قصص الشعوب من كل بلاد الدنيا/ من كل بقاع الأرض/ قصص شتى/ تروى حتى/ تعرف أحوال الإنسان/ والكل هنا جيران/ فإذا زرناهم في الصورة/ في أحلي دنيا مسحورة/ كي نتسلى صرنا أهلا».
ويمكن أن نقول الكثير عن برامج الأطفال في زماننا، ولكن حين نتابع اليوم ما يعرض على شاشات التلفاز وعبر الفضائيات تنتابنا حالات قهر وحزن واستغراب بين ما كنا وما آلت إليه الحال، برامج اليوم صراخ وضجيج وصور سريعة مرعبة تترك الطفل في حالات استنفار وتأهب وكأنْ لا رقابة على ما يعرض أو لا اهتمام ولا اكتراث ولا قراءات حقيقية وواقعية لما سيؤول إليه حال طفلنا بعد سنوات وسنوات!.
ت: صالح علوان