ليست المرة الأولى التي أتحدث فيها عن وعينا مقابل وعي الآخرين, فمنذ انطلاق موجة “الربيع العربي” المزعوم, وبداية الحرب الكونية على سورية والتي تدثرت برداء “الثورات الشعبية العربية” أكدنا خصوصية تجربة الثورة واختلافها من قطر عربي لآخر, واعترضنا وبشدة على مصطلح “الربيع العربي”, وشرحنا الفرق بينه وبين ثورة الياسمين في تونس والتي قامت بها الطبقة الوسطى ضد نظام زين العابدين بن علي الديكتاتوري الذي قام بتنفيذ الأجندة الرأسمالية الغربية ما أحدث أضراراً اجتماعية واقتصادية بالغة بالطبقة الوسطى في تونس فكانت أحد مبررات قيام الثورة ضده, ولا ننفي أن جماعات الإسلام السياسي المتطرفة قد استغلت الثورة وركبت الموجة واختطفتها لصالحها, وتحول الربيع التونسي إلى خريف ومعاناة يمكن أن تستمر طويلاً.
وبالطبع كانت ثورة يناير في مصر ضد مبارك وعصابته ثورة حقيقية نتيجة لسياسات مبارك وحكوماته المتوالية على مدار ثلاثة عقود كاملة حيث سار الرجل على خطا سلفه أنور السادات الذي قرر ارتهان مصر وبيع إراداتها للمشروع الرأسمالي الغربي حين قال إن 99 % من أوراق اللعبة في يد الأميركيين, ثم كانت زيارته للكنيست الإسرائيلي والاستسلام للعدو الصهيوني وفقاً لاتفاقية كامب ديفيد, ومن يومها وأحوال المصريين تسير من سيئ إلى أسوأ وتدهورت أحوالهم المعيشية بشكل كبير فكانت انتفاضة الخبز في يناير 1977, ثم قتله على يد الجماعات الإرهابية التي احتمى بها وتحالف معها في بداية حكمه, ووفقاً لهذه السياسات التابعة أمريكياً وصهيونياً تم إفقار الغالبية العظمى من شعب مصر, فكانت النتيجة الطبيعية هي ثورة يناير ضد مبارك وحكومته, ولا ننفي أيضاً أن جماعة الإخوان الإرهابية التي تحالفت مع نظامي السادات– مبارك قد ركبت الثورة واختطفتها لصالحها, وتحول الربيع المصري إلى خريف بل شتاء قارس البرودة, سرعان ما أدى إلى قيام موجة جديدة للثورة في يونيو تمكنت من الإطاحة بهم, لكن عاد رجال مبارك من جديد بعد أن اختطفت الثورة, ومازال الشعب المصري يعاني من السياسات القديمة والتي تتجدد باستمرار.
ثم كانت الثورة اليمنية ضد ظلم ودكتاتورية علي عبد الله صالح نتيجة لتدهور الأوضاع المعيشية للغالبية العظمى من الشعب اليمني, ولا ننفي أن القوى الإمبريالية العالمية مع ذيولهم في منطقة الشرق الأوسط وحلفائهم في الداخل قد سعوا إلى إفساد الربيع اليمني فتحول إلى ظلام دامس.
وفيما يتعلق بليبيا فهي لم تشهد ثورة ولم تكن هناك أي مبررات لحدوثها, لكن ما حدث هو غزو إمبريالي غربي لتفتيت وتقسيم دولة عربية غنية بمواردها الطبيعية وكان يقف حاكمها عقبة في سبيل تحقيق أطماع هذه القوى الدولية، فكانت النهاية الدراماتيكية للقذافي.
وبالطبع سورية لم تشهد ثورة من قريب أو بعيد, فكيف لمجتمع كان يعيش حالة من الاكتفاء الذاتي حيث يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع, ويمتلك إرادته وقراره حيث يقف في وجه القوى الإمبريالية الغربية والصهيونية العالمية ويدعم المقاومة العربية, ولا يوجد عليه أي دولار دين خارجي أن تحدث فيه ثورة, لذلك أكدنا ومنذ اللحظة الأولى أن ما يحدث في سورية هو مؤامرة بكل المقاييس, ولم يصدقنا أحد بل اتهمنا بأننا ضد الثورة مع أننا كنا طليعة الثورة المصرية, ووقفنا ندعم سورية شعباً وجيشاً وقائداً حفاظاً على وحدتها, ودعماً للأمن القومي المصري, وحقق الشعب السوري المعجزة وصمد ضد كل قوى الشر في العالم عبر ما يزيد على عشر سنوات ماضية, وانتشرت القوى الإرهابية التكفيرية التي جاءت من أكثر من مئة دولة حول العالم على الأرض السورية ورغم ذلك نجح الجيش العربي السوري في مواجهتها والانتصار عليها وعدم تمكينها من إسقاط الدولة السورية وتقسيمها وتفتيتها, ولم تقف سورية وحيدة في أزمتها لكن وقف بجانبها محور المقاومة, والقوى الدولية المعادية تاريخياً للإمبراطورية الأمريكية التي صنعت الإرهاب حول العالم ودعمت الجماعات الإرهابية على الأرض السورية بداية من الإخوان المسلمين مروراً بجبهة النصرة وجند الشام وصولاً إلى داعش وغيرها, ثم شكلت تحالفاً دولياً شكلياً ووهمياً لمحاربته عبر السنوات الماضية, لكنها في الواقع كانت تدعمه بالمال والسلاح طوال الوقت, هي وحلفاؤها الإقليميون من الأتراك والخليجيين.
وفي إطار الفشل في تفتيت وتقسيم سورية فشل المشروع الصهيوني– الأمريكي في تفتيت وتقسيم المنطقة بأكملها خاصة بعد نجاح الجيش المصري في إجهاض المشروع ذاته على الأرض المصرية, وأصبح من الضروري الآن إنهاء الحرب على الأرض السورية والقضاء بشكل نهائي على الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تم زرعها من القائمين على المؤامرة, وإنهاء الوجود الأجنبي الأمريكي والتركي, حيث بدأت مرحلة الحسم على الأرض السورية, وحتماً ستنتصر سورية, فقد انتصر وعينا على الجميع لذلك لابد أن يستمع لصوتنا كل من كان يشكك في وجود مؤامرة على سورية, لأننا نؤمن بأن أمريكا وحليفها الكيان الصهيوني هما عدونا الأول وهما المستفيد من الربيع العبري الذين يطلقون عليه زوراً وبهتاناً “الربيع العربي”, ونؤمن بما قاله الزعيم الخالد جمال عبد الناصر بأن سورية هي قلب العروبة النابض, وبأن المقاومة ولدت لتبقى, ولتنتصر.