مات كولن باول الأسبوع الماضي – وزير خارجية جورج بوش الابن- الذي أخبر العالم عبر مجلس الأمن أن ( العراق يملك أسلحة دمار شامل ) ممهداً و مبرراً لإدارته القيام بغزو العراق قبل أن يعود بعد سنوات ليعترف أن ما قاله حول العراق كان كذباً و تلفيقاً ، و قدم اعتذاره ، لكنه بعد فوات الأوان.. وبعد أن ساهم بكذبه بتدمير العراق، و قتل العراقيين، و قطع الطريق أمام الشعب العراقي نحو المستقبل .
تحدث باول العام الماضي 2020 إلى الكاتب روبرت درايبر مؤكداً أنه كان ضد غزو العراق، و أنه كان وحيداً بين طاقم بوش الابن الذي أوضح له بشكل جلي، و عدة مرات, أن من الخطأ غزو العراق. و يروي أنه كان يلجأ إلى صديقه جاك سترو- وزير خارجية بريطانيا ليطلب من طوني بلير أن يقنع بوش بعدم الإقدام على غزو العراق ، لكن بلير كان تابعاً لبوش و منصاعاً له، و لا يجرؤ على مخالفته. و حول خطابه في مجلس الأمن قال باول ( الرئيس بوش كلفني أن أقرأه في مجلس الأمن… ماذا أقول له…إنه الرئيس) ، و بذلك فقد حمل باول مسؤولية كبرى في الحرب و غزو العراق ، و إشعال و ربما إحراق الشرق الأوسط . طبعاً لم يخطر ببال باول و طبعاً لم ينتظر أي عربي منه أن يعترف, و هو المثقف الاستراتيجي أن تدمير العراق من دون مبرر, كان شكلاً من أشكال تنفيذ استراتيجية إسرائيلية قررها بن غوريون منذ الخمسينيات، و الذي عدّ أن قوة و حماية «إسرائيل» مرتبطة و تستلزم تدمير ثلاث دول؛ العراق و سورية و مصر .
باول في اعتذاره عن«خطاب الأكاذيب» عدّه ( لطخة عار في تاريخه) و في الحقيقة كان غزو العراق لطخة عار في تاريخ أميركا كلها ، و جريمة ستبقى معلقة برقبة إدارة بوش الابن الصهيونية، و نقل مقربون لـ «باول» أنه كان يكرر دائماً: ( أنا متأكد , أنني عندما أموت , ستكون أول فقرة , في كل تأبين لي ، و كل استذكار لمسيرتي ، خطابي في مجلس الأمن الذي كان لطخة عار) ، و بالفعل صدقت توقعاته ، و صبغ خطاب لطخة العار تاريخ الرجل الذي وصل إلى رئاسة هيئة الأركان المشتركة، و مستشار للأمن القومي ، و وزير للخارجية ، و ترشح للرئاسة الأميركية قبل أن ينسحب منها. كل هذا التاريخ ضيعه باول بجريمة خطاب العار و الكذب و التلفيق الذي أسس لغزو بلد مركزي في المنطقة العربية، و دفع لتصديع الاستقرار في عموم الشرق الأوسط ..
جاك سترو- وزير خارجية بريطانيا- شريكة أميركا في الغزو- يقول: لو أن باول أعلن موقفه الحقيقي، و احتج على فكرة الغزو بالاستقالة، لكنت استقلت وراءه فوراً ، و ربما لو تجرأ باول على الاستقالة، و لحقه سترو لكان وضع بوش و بلير أمام فداحة و فظاعة الجريمة التي سيقدمان عليها . لذلك فإن استمرار باول بتنفيذ سياسة بوش يجعله مجرماً معه بحق العراق و الشعب العراقي و بحق المنطقة العربية كلها. لذلك فإن اعتذاره في حساب التاريخ لا يبرِّئه مما فعلت إدارته بناء على الكذب و التلفيق ، و لطخة العار ستصبغ هذه الإدارة المجرمة كلها .
إذا كان خطابه في مجلس الأمن ( لطخة عار في تاريخه) فإن موقف الرئيس بشار الأسد الذي رد على باول و شروطه التي حملها لسورية بعد الغزو، كان ( صفعة لاستكبار و سياسات و إجرام إدارته ) و ها هو يغادر دنيانا محمولاً على لطخة عاره و صفعة استكباره .