جداريات عن دمشق القديمة للسوري محمد الناطور في متاحف ألمانيا!
«بدأتُ الطريق في عالم النحت عبر العمل مع فنانين سوريين محليّين وعبر المشاركة في معارض عديدة، وتمكنت من إنجاز مشاريع فنية كبيرة، منها ما تم تنفيذه وبقي في العاصمة دمشق، ومنها ما لم يتم إكماله بسبب الظروف جراء الحرب على البلاد».. هكذا يروي الفنان التشكيلي السوري محمد الناطور لـ« تشرين» بداياته مع ممارسة الترميم الأثري والاحتراف في متحف دمشق الوطني الذي عمل فيه نحو 3 سـنوات، وكانت له هناك «محاولات» لدخول كتاب «غينيس» للأرقام القياسية عبر القيام بأكبر عمل تجسـيدي لسـفينة فينيقية تتألف من 17 ألف قطعة خشبية، وبرغم أن الحظ لم يحالفه إلا أنه لم يتنازل عن حلمه في تسجيل اسمه ضمن الموسوعة العالمية للأرقام القياسية.
خضع الناطور لدورات تدريبية وتابع دراسات في مجال الترميم الأثري، من أهمها مشروع ترميم لوحات قصر الحير الغربي؛ ووصل إلى ألمانيا سنة 2015، وبدأ دراسة اللغة الألمانية، والعمل الطوعي في متاحف ألمانية بهدف تقوية وتنمية وزيادة الخبرة الأثرية والترميمية.
ويتابع الناطور: «بعدها بدأت بفعاليات الموزاييك وأنجزت أصغر لوحة موزاييك لوجه فرعوني لصالح المتحف الثقافي والتاريخي في مدينة ديسبورغ، وقد تم تعليق هذه اللوحة على جدار مدخل المركز الثقافي للمتحف».
«بعد ذلك، تم العمل على ورشات النحت وفن الخشب مع نخبة من الفنانين الألمان، إذ شاركت في الملتقيات الفنيّة المشتركة، وقد جذبت أعمالي الكثير من الانتباه للطابع العربي الدمشقي، وعملت على تطوير أعمال الموزاييك والفسيفساء في المدينة، وبدأت بالعمل بشكل متزامن مع العمل النحتي».
ويستطرد قائلاً: « فتح لي هذا النشاط آفاقاً جديدة، ووفر لي عرضاً جيداً في إحدى شركات التطوير العمراني، حيث بدأت العمل كموظف في تنسيق الفعاليات الفنية، مثل ورشات النحت أو ورشات الموزاييك، لصالح المستأجرين في هذه الشركة بغرض التفاعل الثقافي والترفيه، وتطور عملي إلى أن أصبحتُ مديراً في الشركة».
في الوقت الحالي – يوضّح الفنان الناطور- أشارك بشكل نشط في المعارض والمشاريع بصورة متسلسلة، وقد حصلت على أجمل عمل مشترك بين عدة بلدان، ثم تقدمت إلى ملتقى نحتي كان يشارك فيه أكثر من ١٥ فناناً ألمانياً، وكان عملي الأجمل بشهادة كل الزوار في هذا الملتقى.
بعدها، بدأت النشاط في مركز للفنون كبير جداً، ويقع وسط مدينة ديسبورغ، ثم شاركت في مشاريع عديدة في المدينة ضمن المتاحف وصالات العرض، بعد ذلك، أنجزت العديد من الأعمال النحتية كان جزء كبير منها ذا طابع حضاري للتعريف بالثقافة والآثار والحضارات المختلفة في سورية، مثل أول أبجدية في التاريخ، وبعض الرسائل المسمارية، وأوغاريت، وتدمر، ودمشق، وماري.
وعن عرضه في متحف وليس في صالة، عدّ أن ذلك في حد ذاته أمر مهم جداً، فضلاً عن أنه تم في إطار المعرض عرض أعمال من الحضارة الأوغاريتية ومنحوتات عن الحضارة البشرية، وكان اسم هذا المتحف Kultur- und Stadthistorisches، وهذا المعرض كان يحمل اسم Liebe und Hass.
ولم يقف شغفي الفني عند ذلك – يقول الناطور- بل أنشأت أول ورشة في الهواء الطلق، وبدأت بإدخال فن الموزاييك للمدينة، وإنجاز العديد من الجداريات، وعملت لوحة لـ«ليوناردو دافنشي» من الموزاييك بمناسبة عيد مولده الـ ٥٠٠.
بعد ذلك، أقمت مركزي الفني الذي يضم جميع أعمالي، ثم كانت الانطلاقة بمشروع أكبر جدارية موزاييك في مقاطعة شمال الراين، وضمت معالم من نهر الراين ونهر الرور بمساحة ١٥ متراً، وتم تنفيذها خلال ٥ أشهر، وقد تم وضعها على جدار الصالة الرئيسة لمتحفMuseum der Deutschen Binnenschifffahrt، ودوّن اسمي عليها باللغة العربية، وهذا في حد ذاته يعد إنجازاً.
بعد هذه الرحلة الحافلة والغنية بإنتاجها، عاد الفنان الناطور إلى إغواء ملهمته الأولى دمشق، فهو يعشق الفن المعماري الدمشقي والريفي، يقول: ورثت هذه الموهبة من عائلتي، وكنت مهتماً بمرحلة القرون الوسطى في أوروبا، وفضلت أن أدرس الأدب الإنكليزي والتركيز على مادة الشعر، ومن ثم دمجت الأعمال الفنية المنحوتة بأبيات شعرية لعمالقة الأدباء والشعراء في القرون الوسطى، وبدأت أسير على منهج ربط الفنون بالتاريخ، وبهذا يستطيع من يرى أعمالي الفنية أن يمتع بصره ويغني ذاكرته بالمعلومة.
ويضيف قائلاً: بدأت الفن الدمشقي بتجسيّد الجداريات الضخمة لإنشاء أول متحف دمشقي، وهو قيد الإنجاز للتعرف على دمشق القديمة وحاراتها، ثم أنشأت ورشة فنية لإنشاء وتربية النحل والعسل لدمج هذا المنتج الطبيعي بالفن الخشبي، وخصوصاً أن الألمان يحبون دعم الطبيعة بالفن وخصوصاً النحل.
يثابر الفنان الناطور على عمله، حيث يعمل ١٣ ساعة يومياً؛ وبالتنسيق مع أحد المتاحف الثقافية في ديسبورغ تم تنظيم معرض حمل عنوان «الضوء»، وقدم فيه عدة أعمال فنية، ما حفزه وشجّعه ليقدم أكبر لوحة فسيفساء بلغت مساحتها ألف متر مربع تقريباً، متضمنة معالم أثرية موجودة في مدينة ديسبورغ تم وضعها في المتحف، ودونت باسمه باللغة العربية.
ويتابع الناطور: خلال ثلاث سنوات من العمل المتواصل حاولت إدخال الثقافة العربية وبدأت العمل على لوحة دمشقية مساحتها ١٠ أمتار مربعة تتضمن ١٠ آلاف قطعة خشبية صغيرة مشغولة يدوياً ولا تحتوي ألواناً وإنما تم تلوينها بخامات الخشب حتى يتم عرض اللون الحقيقي للمباني الدمشقية، وبذلك بدأ الرواد يلحظون دمشق القديمة بأسواقها الرائعة وشوارعها التجارية الطويلة ومبانيها السكنية التقليدية في وسط مدينة ديسبورغ الألمانية.