الإدارة بالكذب والادعاء

إذا كان جورج بوش الابن أورث أميركا عاهة المحافظين الجدد وفوضاهم الخلاقة، فإنه مع الإدارات التي تلته كان مصاباً بمرض في دماغه السياسي، هو (الإدارة بالكذب والادعاء)، وهذا ما يتأكد في معالجات الإدارات الأميركية المتتالية للفاجعة التي ألمت ببلدهم في 11 أيلول، حيث ركزت هذه المعالجات على تعميم « الفاجعة» على العالم، وأدارتها بالكذب والخداع والادعاء.

في ذكرى 11 أيلول، وكي نفهم هذه الحقيقة فإننا سنختار اليوم لكتابين أميركيين؛ الأول (كيف قاد بوش أميركا إلى العراق) للكاتب روبرت درايبر، والثاني (أوراق أفغانستان) لـ كريج وايتلوك، وهذان الكتابان مبنيان على وثائق وشهادات مسؤولين وخبراء، لذلك فهما كاشفان لحقيقة الأداء الأميركي السياسي القائم على (الإدارة بالكذب والادعاء)..

كتاب درايبر، واعتماداً على مقابلات مع مسؤولي الأمن القومي، وكبار المسؤولين في إدارة بوش، وعلى الوثائق التي رفعت السرية عنها، يروي تفاصيل كيفية اتخاذ القرار بالذهاب إلى العراق، ويرسم صورة حية لهذه العملية التي اعتمدت -وفقها- على أشخاص سذج ومعتوهين مسكونين بمزيج من الخوف والرهاب وبارانويا ما بعد 11 أيلول، ما جعل تفكيرهم الجماعي جباناً ومتهوراً، لا شيء كان حقيقياً.. الفشل الاستخباراتي كان شاملاً، والخبل السياسي جعل هذه المجموعة تعتمد أدلة (حول أسلحة الدمار الشامل) ليس مشكوكاً بها فقط، بل خاطئة وكاذبة ومفبركة.

هذا الدليل المخبول والمتوهم والذي استخدم لتبرير قرار الحرب أدى إلى فيضان فوضى الشرق الأوسط وزعزعة الاستقرار العالمي.. إنه الكذب السام، والأداء السياسي المخبول، مغلَّف بادعاءات عظمة مجنونة..

كتاب درايبر؛ يفضح تخلف وتفاهة إدارة بوش في فهم الواقع، وابتكار القرار المناسب. وهذه العلة مازالت مستمرة في الإدارات المتعاقبة.

كتاب كريج وايتلوك الذي صدر حديثاً (أوراق أفغانستان) وعبر الوثائق وشهادات سياسيين واستخباراتيين وقادة، يكشف كيف كانت حرب أفغانستان، فشلاً متمادياً منذ بدايتها، وحماقة سياسية متراكمة.

فمع كل فشل عسكري، كان الكذب الغطاء والستر، ومع كل إخفاق كان الادعاء يقلب الحقائق. ومع كل اقتراب من حلٍّ أو علاج، تحل حماقة الإدارة لتنسف أي إمكانية للحل أو العلاج.. ألم يعرض أحد قادة طالبان (عبد الغني برادر) في العام 2002، تسليم سلاح الحركة، فجرى قصف عرس في بلدته، قصف عمر الاقتراح.

فكم من الحماقة استخدمت الإدارات الأميركية لرفض التسوية التي عادت وقبلتها بشكل مذلٍّ في 2021 مع عبد الغني برادر نفسه، ومازال الكذب جوهر الإدارة، ومازالت الحماقة والتفاهة تملأان المناصب، ومازال الإدعاء علاجاً للفشل والهزيمة..

كتابا: درايبر، ووايتلوك، أنموذجان من عشرات الكتب والدراسات الأميركية التي تؤكد أن الحرب الأميركية في أفغانستان والعراق بنيت على الكذب، ومورست بالحماقة وغطيت بالادعاء. وبدلاً من القضاء على الإرهاب، فقد ساعدت على انتشاره في كل العالم، وبدلاً من معالجة إجرامه، ارتكبت جرائم لا تقلُّ عن جرائمه.. إنها ذكرى 11 أيلول والذكرى تنفع العاقلين للتنبه لخطر الحماقة والكذب والادعاء في الحرب وفي السياسة..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار