يعزلون أنفسهم

فصل آخر قذر من فصول الإرهاب الذي تمارسه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، بالتوافق والتشاور والتنسيق مع النظام التركي والكيان الصهيوني مع بعض المشيخات والممالك، على سورية، وهو إرهاب الحجب والإبعاد ومحاولات العزل عبر النشاطات والفعاليات والمؤتمرات الإقليمية والدولية بعد أن فشلت في التلطي خلف المجموعات الإرهابية بكل أشكالها ومسمياتها وانتماءاتها.. ثم تدخلت كطرف أصيل بعد أن فشلت مرة أخرى في ممارسة الإرهاب الاقتصادي عبر ما يسمى قانون «قيصر».

بعد كل هذا الفشل أرادت أن تحفظ ما تبقى من ماء وجهها المهدور، عبر ممارسة إرهاب جديد وهو الإرهاب الدبلوماسي القديم الجديد، أي حرمان سورية من حضور مؤتمر دول جوار العراق للشراكة والتعاون الذي انطلق أمس تحت شماعة إما نحن -أي الدول المومأ إليها مجتمعة، وبعضها شريك بسفك الدم السوري منذ عشر سنوات عجاف- أو سورية، وهذه آخر ورقة تلعبها هذه الدول على الطاولة بعد أن فشلت كل خططها وتساقطت كل أوراقها ورقة تلو الأخرى، وخاصة بعد أن شعرت هذه الدول أن سورية في طريق التعافي وتحرير كامل جغرافيتها، رغم استعمالهم كل الأسلحة، حتى المحرّمة دولياً، وصولاً إلى الحرب الناعمة، ومؤتمر بغداد آخرها، وهذا يطرح عشرات إشارات الاستفهام.. منها: لماذا هذه المقايضة والمساومة وهي التي تعتبر نفسها دولاً عظمى وأعضاء دائمين في مجلس الأمن من عيار أمريكا وفرنسا؟ وما يضرهم إن حضرت سورية، وهي أحق من دول بعيدة عن محاددة العراق، فسورية لها حدود أكثر من 600 كم مع العراق، وتربط بينهما علاقات أخوة وتعاون وشراكة، وهما أكثر دولتين عانتا وحاربتا الإرهاب نيابة عنهم، فيما كانت تلك الدول منتجة ومصدّرة للإرهاب وتبعد آلاف الكيلومترات عن بغداد؟ وما تخشاه الدول المشترطة حضور سورية واستعادة دورها المحوري الإستراتيجي الذي كانت ومازالت تضطلع به رغم سنوات الحرب الإرهابية الطويلة عليها.. ومشاركة أكثر من 180 دولة فيها ضد الدولة السورية وهي ما تزال مستمرة من دعم للإرهاب.. واحتلال أراضٍ سورية، وتسليط سيف الحصار الاقتصادي على رقاب السوريين، وحرمانهم من خيرات بلادهم من نفط وغاز وماء وكهرباء وخبز، بل ذهبت هذه الدول متفقة إلى حرمان السوريين من رغيف الخبز وتطعيم «كورونا» وآخرها محاربة السوريين عبر قطع مياه الفرات وتخفيض مياه دجلة إلى الربع.. ومع هذا تتبجح بعض تلك الدول المشاركة في المؤتمر أنها صديقة للشعب السوري.

من المؤكد والواضح والمعلوم أن الدول الـ180المشاركة في الحرب الإرهابية، لم تستطع إخضاع سورية أو ترويضها بالحرب العسكرية المباشرة أو الاقتصادية أو الناعمة، ولا أحد يستطيع تفتيتها أو مصادرة قرارها القومي.. ولا أحد يستطيع عزلها.. ومن يريد عزلها يعزل نفسه قبل أن يعزلها.

سورية كانت ومازالت الرقم الصعب لا يمكن تجاوزها.. ولا يمكن عزلها.. أو احتواؤها أو تفتيتها.. رغم ما أحدثته هذه الدول المشترطة عدم حضور سورية المؤتمر من دمار للبنية التحتية.. ونهب ثرواتها في رابعة النهار وتهجير الكثير من شبابها بسبب إرهابهم.. ومحاصرة الباقين المتمسكين بخيار قيادتهم الحكيمة وخلف جيشهم الباسل بكل فنون الحصار.. وتغذية المليشيا الانفصالية «قسد» لكنها لم ولن تفلح حتى الساعة في إبعاد سورية عن موقعها الجيوسياسي الإستراتيجي الذي تضطلع به.. وخير دليل وضع سورية بكفة ميزان الحضور: إما أمريكا والغرب والنظام التركي وبعض الممالك والمشيخات ومن خلفهم ماكينة عسكرية واقتصادية وإعلامية، وإما سورية.. وهذا خير دليل يعترفون به بعظمة سورية وخشيتهم من حضورها ودورها.

سورية يطربها ويفرحها عقد هذا المؤتمر في هذه الظروف الحساسة في بغداد، رغم محاولة الدول التي تدّعي أنها كبرى تشتيته وأخذه إلى أماكن يرغبون بها.. وسورية تبارك أي نجاح للشعب العراقي الشقيق وتعتبره نجاحاً للشعب السوري.. ولكن حقها الطبيعي الذي تحفظه الشرائع والقوانين ألا تقبل بأي مخرجات لهذا المؤتمر لا تصب أو تأخذ بعين الاعتبار حقها كدولة مجاورة ومحاددة للعراق، وذات سيادة، وصاحبة الكلمة في المنطقة.. وهي من أكثر الدول دفعت ثمن محاربة الإرهاب المصدَّر من عواصم أكثرية الدول المشاركة في هذا المؤتمر، وللأسف بعضهم ينطقون بالعربية.

سورية كانت على الدوام الأم، وقلب العروبة النابض، تضمّد جراح الجميع.. لا تعرف المنّة أو البخل أو الضغينة.. لا تعرف الانتقام.. لا تعرف الشماتة رغم علمها علم اليقين أن بعض المشاركين في مؤتمر بغداد من العربان كادوا لها وتآمروا عليها، وعملوا ولا يزالون بكل ما أوتوا من قوة على تدميرها.. والمشاركة في حصار شعبها.. هي مع ذلك تترفع عن أن تكيل بمكيالهم.. هكذا هي سورية، وهذا هو عهدها وديدنها.. رغم معاناتها اليوم التي لا تخفى على أحد بسبب الحرب الإرهابية المستمرة والحصار الاقتصادي المتصاعد ستبقى الملجأ والقبلة والأمان لكل أشقائها العرب رغم علمها بجحود بعضهم وتآمر بعضهم الآخر.. وتشديد الحصار عليها وطعنها من البعض في ظهرها وصدرها.. لكنها كما الأم تنسى جحودهم وتفتح لهم ذراعيها لعلهم يعودون للصواب يوماً، رغم محاولة اشتراط بعضهم اليوم عدم حضور سورية مؤتمر جوار العراق!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار