الفنان سامر عمران لـ”تشرين”: لست مبعداً عن التلفزيون بإرادتي .. والواقع المسرحي مأساوي
في كلِّ عرضٍ مسرحي يقدمه يستطيع الإبحار في عوالم الحياة وتجلياتها، ولكن في عرضه اليوم؛ يجعلنا نتشارك معه في أفكاره وآلامه وتطلعاته.. وهو الذي يسبق الزمن بقراءة الواقع وتجسيده بعدة مراحل تُبيّن جشع وطمع الإنسان بقدرته خلال لحظات بهدم ما بناه من حضارات عريقة.. هو عرض صنع كما كل عروض الدكتور سامر عمران بحرفية عالية المزاج، تجعلنا كمتلقين متورطين معه وجدانياً وفكرياً لكونه يتحدث بلساننا ويقرأ أفكارنا ومن ثمّ يجعلنا متفاعلين معه بكلِّ ما يدور من حدث، وعلى الرغم من عدم وجود الوقت الكافي لإظهار قدرات كل طالب على حدة بسبب كثرة عدد هذه الدفعة من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، والتي هي سابقة لم تحصل في تاريخ المعهد؛ إلا أن عمران استطاع إبهار الجمهور بفضاءات متعددة ومتنوعة.. لكن هل استطاع إخراج قدرات طلاب غلبهم الشعور بالظلم، وما الحلول التي كانت أمامه، كل هذا وأكثر ستجدونه في هذا اللقاء مع الفنان سامر عمران:
بين الغياب والعودة
* دعيت أكثر من مرة للإشراف على مشاريع تخرج طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان آخر مشروع عام 2014 ما الذي دفعك لقبول هذه الدفعة؟
منذ خمس سنوات؛ أسست كلية فنون الأداء في جامعة المنارة في اللاذقية، وكما تعلمين أن تأسيس مشروع بناء أجيال يأخذ وقتاً وحيزاً كبيرين، ولقد كان بالنسبة لي مشروعاً له أولوية كبرى، ولهذا السبب أصبح سفري الأسبوعي لا يسمح لي أن أوافق على مشروع تخرج لكونه يفرض نوعاً من التفرغ والعمل، ولكن هؤلاء الشباب قمت بتدريسهم العام الماضي مبادئ الإخراج، وكانوا يشعرون بالظلم بسبب عددهم، وبالفعل كان توزيع الوقت أمراً صعباً على 34 شخصاً ولم استطع التخلي عنهم، فلم يكن لدي خيار سوى القبول .
* هذه الدفعة مظلومة.. وسؤالي هنا كيف استطعت إنصافهم على الرغم من عددهم؟
في البداية قمت باختيار فكرة وكتبتها، من ثمّ حاولت جاهداً القيام بعمل ليس تقليدياً، وهنا أقصد صيغة جديدة يستطيع فيها الطالب إظهار إمكانياته وقدراته بصيغة عالية، لذلك اخترت فكرة تعبّر عن مرور الزمن.. فتارة ترين الطالب يقوم بمشهد الراوي، وبكبسة زر ينتقل الى مرحلة أخرى، ويصاب بالعمى، وبلحظة أخرى ينتقل إلى الحجر، وبالتالي جميع المراحل الزمنية تعبر تقنياً عن إمكانات الممثل لكونه يتطلب منه ليونة انفعالية عالية .
وباء العمى
* لندخل أكثر في العرض لكونه يتحدث عن الإنسان بعوالم تقنية وتكنولوجية؟
اليوم نتيجة حدث ما نشير إشارة غامضة أنه من صناعة الإنسان، وبالتالي البعض يوافق والبعض لا.. فهناك من يعدّه مصادفة وآخرون يعدونه قصدي.. لكنّ هناك وباء معدياً، هو وباء العمى ينتشر بين البشر، وهنا أقوم بالإشارة إلى أن هناك قنبلة في العالم، هي التي أدت إلى انتشار هذا المرض، وبالتالي هنا العمى رمزي بسبب قدرة الإنسان على استخدام التكنولوجيا العالية وتدمير الأرض والحضارة التي بناها.. وهنا أفترض وجود هذا النوع من الوباء، فأقوم بأخذ الممثلين إلى منطقة الحجر، وأجعل الجمهور مشاركاً لهم، وهنا عبّرت عن مجتمعات الكوارث، وأمراء الحروب و«زعرانهم» ومنتهزي السياسة والتجار.. فكان لابدّ من القول إن الإنسان يصنع الحضارة، وهو نفسه يدمرها بسعادة؛ فهو يقتل للقتل والنشوة فيما عندما الكائنات الأخرى تقتل لتأكل وتستمر .
* إلى هذه الدرجة يحمل الإنسان في دواخله البشاعة؟
بالطبع… بل وأكثر، ولكن لا أستطع التعميم.. هذه المافيات العالمية الموجودة على الأرض، وتسيطر على مختلف مجالات الحياة؛ ماذا تسميها، ومن الذي يدفع ثمنها… بكل تأكيد الشعوب هي من تدفع الثمن .
هاجس الكتابة
* كان لك تجربة وحيدة في مجال الكتابة في عام 2015 واليوم نراك تقدم الثانية… هل هاجس الكتابة اليوم من ضمن أولوياتك؟
أنا لا أدعي أنني كاتب، وليست هذه المهمة مستحوذة على عملي، وعلى الرغم من نصيحة أصدقائي المتكررة بخوض مجال الكتابة أكثر، وخاصة فيما يتعلق بمجال الرواية.. إلا أنني أرى نفسي مخرجاً وممثلاً، وعندما أريد الكتابة؛ أفضل كتابة عمل مسرحي أكثر من أي نوع آخر .
* بين سفرك بشكلٍ دوري إلى اللاذقية، والمعهد العالي للفنون المسرحية… كيف تستطيع التوازن بين كلا العملين على الرغم من أنهما في المجال نفسه ؟
بصراحة هذا موضوع مرهق جداً، ومتعب بشكلٍ كبير, أصل الى دمشق مساء الأربعاء من كل أسبوع، وأعود إلى اللاذقية الجمعة، وهذا كما تعلمين يأخذ جهداً جسدياً ومادياً.
* هل قدم لك المعهد بما يُناسب تعبك وشغفك وحبك له ؟
مهما قدمت لهذا المعهد من تعب وتفرّغ؛ أشعر أنني مقصّر، وأن في جعبتي المزيد والمزيد لتقديمه، ويتوجب عليّ أن أعطيه إلى حين وفاتي.. فهذا المعهد؛ هو المكان الأول في حياتي الذي تعلمت فيه، وبالتالي أعتبره منزلي ولا أفكر على الإطلاق بمردوده المادي.
عميد المعهد
* عميد المعهد العالي للفنون المسرحية لثلاث مرات… ماذا تعني لك المناصب ؟
هذا ليس منصباً.. هذه عقوبة تحتاج إلى تفرغ كامل، والعمل ليل نهار بظروف غير صحية ومعقدة من أجل تلبية متطلبات هذا المكان .
* ما الأمر الذي تتمنى إعادة النظر فيه فيما يتعلق بالمعهد العالي للفنون المسرحية ؟
فيما يتعلق بمسألة قبول الطلاب وأن يكون عدد الدفعات متناسباً ومنسجماً من أجل توفير الاهتمام والعناية الصحيحة بطلاب سيصبحون فيما بعد فنانين يعبرون عنّا بطريقة أكبر.
* هل قدّم لك المعهد بإدارته الجديدة تسهيلات من أجل نجاح العرض ؟
بالتأكيد كانت هناك سرعة في تلبية جميع المتطلبات التي يحتاجها العرض من قبل الدكتور تامر العربيد .
* شاهدنا وعبر أيام العرض التي دامت لأسبوعٍ كامل؛ حضوراً يفوق العدد المحدد، وهذا ليس غريباً عن مشاريع يقدمها سامر عمران.. ما الذي يعنيك بالحضور العدد أم النوعية ؟
عموماّ؛ لا يعنيني عدد الجمهور، بل أبحث عن نوعية تأتي بشكلٍ خاص لتحضر العروض المسرحية.. لهذا لا أفكر بالعدد، بل بالصيغة الفنية.. وهي الأهم بالنسبة لي، ولكن طبيعة المكان لا تحتمل وجود عدد أكبر من الحضور والاقبال الجماهيري دليل على سمعة طيبة استطعت تكوينها عبر الزمن .
* أستاذ جامعي وأكاديمي.. أين أنت من التلفزيون، ولماذا لم تنل ما تستحق؟
أنا لست مبعداً بإرادتي، ولكن ما يقدم لي من عروض قليل جداً، ومن الصعب أن أعرف السبب.. فعندما يأتي مخرج، ويقول لي أراك في هذا الدور، وبعدها يختفي، ويذهب لصالح أحد آخر.. هنا القصة ليست فناً بكل تأكيد، فكل شيء يقوم هنا على الواسطات إلا معي .
شروط التمثيل
* هل تشعر بالحزن تجاه ذلك؟
لم أكن أسافر لو كان هذا الموضوع من أولوياتي، وكل عمري أرى نفسي مخرجاً مسرحياً فقط.. أما عن موضوع التمثيل؛ فنحن نعرف ماهي الشروط من أجل أن يعمل الممثل.
* ما هي تلك الشروط؟
تعلمين ما هي، بل وأكثر مني، ولا أريد الخوض أكثر في هذا الموضوع؛ فأنا متفهم لكل ما يحدث، ولكن أشعر بالضيق عندما يراني مخرج ما قادراً على تجسيد دور لن يجسده أحد غيري بنفس الطاقة وفجأة يختفي الدور بقرار إنتاجي .
* هل فشل سامر عمران تلفزيونياً ؟
هناك أدوار لي عندما أشاهدها لا أستطيع تحمل نفسي، فهناك أعمال، ومن أجل إنجاز العمل بسرعة كبيرة وتوفير الوقت يظهرون الممثل بطريقة مشوهة؛ وبالتالي يوجد أعمال صورناها بـ 30 يوماً لم تتغير عدسة التصوير فيها.. كيف تريد أن نظهر بطريقة لائقة .
* اكتفيت بما قدمته عبر مسيرة طويلة من الفن والعطاء ؟
لا.. أبداً؛ ما زال في جعبتي الكثير من العطاء والعلم والثقافة وما زلت في البداية .
* كيف ترى الواقع المسرحي اليوم في سورية ؟
** مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.. أنا كمخرج لا أستطيع مطالبة الممثل أن يأتي إلى حضور البروفات بشكلٍ يومي وإرهاقه بتكلفة مادية قد تكون أكثر من المكافأة التي سيتقاضاها، وبالتالي من يعمل في المسرح يعمل لكونه يعشق المسرح فقط لا غير، وهنا أتحدث عن ضرورة وجود قرار يأخذ من خلاله المسرح ما يستحق .