مع الجزء الثاني من «أيام عشناها وهي الآن للتاريخ» الدكتورة العطار تؤكد مجدداً استمرارية المؤامرة

التاريخ يعيد نفسه هي العبارة التي سنكررها كثيراً ونحن نقرأ الجزء الثاني من كتاب الدكتورة نجاح العطار «أيام عشناها وهي الآن للتاريخ» وهي تستعيد في مقالات كتبتها أثناء تبوئها منصب وزيرة الثقافة قضايا تبدأ من الصراع مع العدو الصهيوني والمخططات الأمريكية ضد منطقتنا وتصل إلى الواقع الثقافي السوري.

ويشغل عقد الثمانينات بما فيه من أحداث جسام محور مقالات الكتاب التي صيغت بلغة صريحة جريئة كشفت حال الأمة العربية وحجم ما يطالها من تآمر يسهم فيه بعض من ينتسبون لها واستشرفت مستقبلاً سيحمل خطراً أكبر إن لم يتدارك العرب ما يدبر لهم.

ويتبدى من خلال مقالات الدكتورة العطار أن مقولة ثوابت السياسة السورية حقيقة وأساس راسخ مكن سورية من مواجهة ما طالها من مخاطر وأن ما تعرضنا له من مخططات سعت لإضعافنا وتجزئتنا قبل أربعين عاماً وانتصرنا عليها بوسعنا حين نحافظ على مبادئنا وقيمنا وحقوقنا أن نتجاوزها ونثبت جدارة وطننا في الحياة والتقدم.

كلمات الدكتورة العطار تجعل القارئء يشعر أن طريق الصمود واحد لأن العدو لم يتغير وهدفه لم يتبدل وإن تغيرت التسميات والأشكال فكتبت تقول: الرهان على أمريكا خاسر لأن المرء لا يراهن على عدوه وسورية التي أعلنت منذ الحركة التصحيحية شعاراً واضحاً بإبقاء القضية العربية حية معتمدة على ركائز كدعامة بناء لهذه الشعارات من إصلاح الخلل في الميزان الاستراتيجي ضد العدو وإقامة علاقات متوازنة في الميدان الدولي والعمل للتضامن الكفاحي في الميدان العربي.

وفي الذكرى السنوية الأولى لوقوع مجزرة صبرا وشاتيلا تبدأ الدكتورة العطار برثاء شهداء هذه المجزرة من اللاجئين الفلسطينيين فوصفتها بالمجزرة الدموية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي وفرقاء لبنانيون وارتقت إلى جرائم النازية وجنكيز خان بحق البشر محذرة من أن هذا العدوان إن لم يلجم فلن يكون أحد من العرب في منجى منه وسوف يكرر جرائمه ضدنا.

وتكتب الدكتورة العطار عن مدارس أبناء وبنات الشهداء بصفتها صرحا علمياً ومعرفياً يحتضن أنجال من ارتقوا وهم يذودون عن الوطن بدمائهم وأرواحهم منوهة بأن فكرة إقامة هذه المؤسسة التي لا نجد لها شبيها في بلدان متقدمة كان صاحبها والإنسان الذي رعاها وأولاها جل اهتمامه ووقته القائد المؤسس حافظ الأسد.

وبصورة مبكرة تنبهت الدكتورة العطار إلى ما ستجره الحرب العراقية الإيرانية على المنطقة ولا سيما الخليج العربي فكتبت عنها سنة 1982 واصفة إياها بالحرب العدوانية التي اندلعت بالنيابة عن أمريكا ولمصلحتها ومصلحة كيان الاحتلال الصهيوني ومن يدور في فلكهما من أنظمة عربية وبأنها ليست في مصلحة الشعب العراقي ولا الأمة العربية ولا القضية الفلسطينية.

وتكرس الدكتورة العطار كثيراً من مقالات الجزء الثاني من كتابها للملف اللبناني سواء لجهة الحرب الأهلية في لبنان والاحتلال الصهيوني لمساحات واسعة من هذا البلد وانخراط أطراف لبنانية في إشعال الحرب ومساندة الاحتلال والتآمر على سورية.

وتتوقف الدكتورة العطار عند كثير من المحطات التاريخية المفصلية التي شهدت الموقف السوري الصامد في مواجهة مخططات نزع لبنان عن هويته الوطنية وعروبته ودعم سورية له حتى يتحرر من محتليه ومن المتعاونين مع الاحتلال وتقوية جيشه الوطني.

وخصصت الدكتورة العطار ختام كتابها للحديث عن القطاع الثقافي السوري إذ استعرضت خلال مقابلة أجرتها معها جريدة تشرين سنة 1984 ما حققه هذا القطاع من إنجازات رغم ما واجه بلادنا من مخاطر انطلاقا من شعار تبنته سورية منذ عام 1970 بأن الثقافة للجميع.

وتعدد الدكتورة العطار في المقابلة ما شهده قطاع الثقافة في سورية من نمو والذي تجلى في إطلاق مهرجانات دولية كمهرجان بصرى ومهرجاني دمشق السينمائي والمسرحي وإنشاء مكتبة الأسد الوطنية وإحياء ونشر التراث العربي والأعمال الواسعة في مجال الآثار والمتاحف من انطلاق أعمال تنقيب وترميم في مختلف أرجاء الأرض السورية وإحداث المراكز الثقافية في مختلف المناطق ولا سيما النائية وإحداث المعهد العالي للفنون المسرحية ودعم مؤسسة السينما التي حازت أفلامها جوائز عالمية وتنظيم مئات المعارض الفنية ونشر وطباعة مئات الكتب والمجلات الثقافية والمتخصصة.

هذا الكتاب الذي صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب ويقع في 304 صفحات من القطع الكبير جزء من مشروع تعكف عليه الدكتورة العطار في التوثيق لرؤاها الفكرية والأدبية والسياسية خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار