علم الاقتصاد وقوى العرض والطلب ..!
يتجسّد جوهر علم الاقتصاد في البحث عن كيفية زيادة دخل المواطن وتحسين مستوى معيشته من خلال الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة وزيادة كفاءة استغلالها وتوزيعها بين مكونات المجتمع بأكمله، وزيادة التصدير وترشيد المستوردات من و إلى الأسواق الخارجية أي التأقلم الإيجابي مع الاقتصاد العالمي من خلال تقديم سلعة أفضل بسعر ونوعية مناسبين، ولتحقيق هذا لا بدّ من استخدام سياسة اقتصادية متكاملة متضمنةً السياسة النقدية والمالية والاستثمارية والتجارة الخارجية والإنتاجية، وهذا يتطلب تفعيل الدورة الاقتصادية لزيادة معدل النمو الاقتصادي في القطاعات الاقتصادية الوطنية أي على مستوى الاقتصاد الجزئي «Microeconomics» أي دراسة «الكيانات والفعاليات الاقتصادية المستقلة مثل مواقع الإنتاج وآليات الأسواق وتغير الأسعار وعوامل الإنتاج وتحسين الخدمات والطلب والعرض الكلي من وعلى السلع والخدمات والربحية الخاصة…إلخ»، ومن ثم تحديد نقاط القوة والضعف والتوجه لتحقيق أكبر منفعة اقتصادية ممكنة بتعزيز نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف أي بالكفاءة الاقتصادية، ولكن يجب أن يكون هذا مؤطراً ضمن رؤية اقتصادية كاملة على مستوى الاقتصاد الكلي «Macroeconomics» مثل معدل البطالة والتضخم وسعر الخصم ومستويات الادخار والاستثمار والاستهلاك وأسعار الفائدة والسياسة النقدية والمالية والتعرفة الجمركية وآليات الاستيراد وكيفية مواجهة المشاكل أو الأزمات الاقتصادية وتذبذب أسعار الصرف وإدارة الاحتياطي النقدي والقانوني والدين العام الداخلي والخارجي والعرض النقدي ونوع الحماية الاقتصادية المستخدمة وتوازن الأسواق وآلية الدعم الحكومي بجانبيه الإنتاجي والمعيشي والربحية الوطنية وموازنة الدولة بجانبيها الاستثماري والجاري…إلخ, وهنا نلاحظ التفاعل والتكامل بين مكونات علم الاقتصاد أي الاقتصاد الجزئي والكلي، وكل رؤية أو إجراء خاطئ في أحدهما سيؤثر في الآخر، وهذه هي أهم المشكلات بل التحديات التي تواجهها الحكومات, وخاصة في الدول التي تتعرض لمشكلات اقتصادية وسياسية، وللخروج من هذه الإشكالية نحتاج قبل كل شيء إلى تفعيل مكونات الاقتصاد الجزئي لتحسين المؤشرات الكلية، وكما قال العالم الاقتصادي الكبير« آدم سميث » في كتابه: « ثروة الأمم»: يسعى كل فرد – مستثمر- إلى توظيف رأسماله لتعظيم قيمة إنتاجه، وهو بصفة عامة لا يهدف لخدمة المجتمع أو الصالح العام بل خدمة ذاته وأمنه ومكاسبه الشخصية، ولكن تحركه بذلك يد خفية لم يأخذها في الحسبان، حيث إنّه في مسعاه الإنتاجي لتحقيق مصالحه الشخصية يقوم في الوقت ذاته بخدمة المجتمع ككل وبشكل أفضل مما لو كان قد عقد العزم على ذلك منذ البداية، أي إنّ مقدار النجاح الشخصي للمستثمر يسهم في تأمين السلع والخدمات إلى الأسواق فتنخفض الأسعار ويقل التضخم وتتوفر إمكانية التصدير وتأمين القطع الأجنبي, وتالياً تحقيق التوازن في سعر الصرف، ومن جهة أخرى يتم خلق فرص عمل جديدة, ما يؤدي إلى تخفيض معدل البطالة، أي إن عمل الاقتصاد الجزئي هنا أثّر مباشرة وبشكل إيجابي في المجتمع بأكمله أي في الاقتصاد الكلي، ولكن من جهة أخرى تؤثر إدارة الاقتصاد الكلي في مكونات الاقتصاد الجزئي من خلال السياسة الاقتصادية متضمنة السياستين «النقدية والمالية» وجوهرهما أن النقود هي وقود التبادل التجاري سواء كان استثمارياً أو استهلاكياً، وقناعتنا أنه بضبط إيقاع السياسة النقدية مع المالية مع الاستثمارية نتمكن من زيادة الكفاءة الاقتصادية لمواردنا المتاحة ونُحوّلها إلى إيرادات وتتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي والجزئي, وخاصة زيادة معدل النمو الاقتصادي وقيمة الناتج المحلي الإجمالي وهو «الكعكة الاقتصادية المجتمعية», ويقل معدل التضخم والبطالة وهي آفة اجتماعية تتجاوز آثارها السلبية الجانب الاقتصادي، ونخلق اقتصاداً جديداً، ونبتعد عن تكرار كلمتي العرض والطلب، وكما قال عالم الاقتصاد المعروف «أنونيموس»: لن تصبح أحد علماء الاقتصاد المتمكنين بمجرد مداومة ترديدك لكلمتي العرض والطلب, فهل نؤقلم العرض والطلب في اقتصادنا الجزئي ليتناغم مع متطلبات اقتصادنا الكلي ونخرج من تكرار عبارة العرض والطلب؟!.