لا قراءةَ من دون كلمات أو نوتات أو رموز، ولا كلمات من دون معنى مهما سهُلَ أو تعقّدَ أو تعدّدَ أو استبطَن، ولا معنى للشيء في ذاته إن لم يحمل إليكَ رشفةً من معنىً كونيّ أرحبَ وأنضجَ يبلُّ ريقَ المتعطّش إلى المعرفة, ويجعلُ حبقَ العقلِ عبِقاً، ومن خزامى الروح نضِرةً.
وبرغم أنّ هناك نصوصاً، كتباً، قصائدَ، «بوستات»، منشورات, ورسائل تشبه سكْبَ الأسيد على جسد الكلمات, أو كما لو أنها قُدّت من صخر الأبجديات, ولم يبللها ماءُ العقل ولا بنقطة، لكنْ ثمة نصوص تشتهي أن تحضنها وتنام, عباراتٌ تغريكَ بهفهفتها، استعاراتٌ تُغويكَ وتسحبك – مثل السائر في نومه – إلى مغارة كنوزها، ولآلئ صورها، ورنين موسيقاها.
هكذا «بذوق الأمير الرفيع» أقرأ.. هكذا كالمتعطّش النّهمِ أتذوق شهد الكتب التي أتخيرها بعناية من ينتقي هديةً لمحبوبته.
لا ألتهم الكتب التهام المتضور جوعاً لأي لقمة، ولا أزدردها مثل الحصى أو شوكِ الصحارى أو الخبز اليابس، ولا أقرِضها مثل فئران المكتبات أو دويبات السقائف، ولا شأن لي بالسمعة المنتشرة للمؤلف أو الكاتبة، ولست ممن يستعرضون عضلاتهم الفكرية أو يفاخرون برياضاتهم الذهنية فقط ليربحوا سجالات مقاهٍ ونقاشات ندواتٍ وحروباً فيسبوكية أو أضواءً انستغرامية.
ربما أفعل ما فعل الفيلسوف «هيغل» حين كان – بمتعةٍ وانفعال- «يسألُ»: يمكنني بخفة ساحرٍ يلهو أن أضعَ الفعل «يقرأ» بدلاً من يسأل, هسهسةَ أوراق الشجر، والينابيع، والرياح، والليل، والشمس… ليدركَ قَدَرَ العقل… و أزيدُ فأقول: أن أقرأَ بمتعةٍ وانفعالٍ كي أصلَ إلى قشعريرة العقلِ وهو يُدرِكُ قدره وقدرته معاً.