بدأت الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من أفغانستان مخلفة عملاءها بلا غطاء بعد أطول حرب تخوضها واشنطن في تاريخها خسرت فيها أكثر من 2300 قتيل وآلاف الجرحى ونحو 3 تريليونات دولار من دون أن تحقق ما أعلنه جورج بوش الابن بالقضاء على طالبان التي اتهمتها إدارته بالمسؤولية عن أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001.
ما أثار التساؤلات والشكوك والريبة والنظر إلى هذا الانسحاب أنه ليس بريئاً فقد تزامن خروج القوات الأمريكية مع تمدد واسع لحركة طالبان بلغ أكثر من 70% من أراضي أفغانستان وسيطرتها على معظم المعابر الحدودية مع طاجكستان وإيران وتركمانستان واستيلائها على قواعد عسكرية أمريكية كقاعدة باغرام المشهورة بعد إقلاع آخر طائرة منها مباشرة حتى بدت بعض عمليات الانسحاب وكأنها استلام وتسليم بين طالبان والقوات الأمريكية المنسحبة.
وسارع رئيس النظام التركي رجب أردوغان للدخول على خط الانسحاب الأمريكي مبدياً استعداد تركيا كعضو في “ناتو” لملء جزء من الفراغ الذي تتركه القوات الأمريكية في الساحة الأفغانية وعرض على الرئيس بايدن إبقاء 500 جندي لحماية مطار كابول وإرسال إرهابيين من سورية إلى أفغانستان وظهر أن هناك تنسيقاً قديماً بين حركة طالبان ونظام أردوغان باعتبارهما ينتميان لفكر إرهابي واحد واستمر التنسيق بقوة بينهما طيلة الحرب الإرهابية على سورية وخاصة باستقدام موجات من المجموعات المتطرفة من هناك وعبر أردوغان عن العلاقة الوثيقة بقوله مؤخراً: إن البلد الوحيد الموثوق به في أفغانستان هو تركيا ويبدو أن عودة نفوذ طالبان جدد الآمال لدى أردوغان بإحياء مشروع السلطنة العثمانية بإدخال أفغانستان التي تقع في قلب الدول الإسلامية في آسيا الوسطى إلى هذا المشروع الأخرق.
لقد وجدت واشنطن نفسها بعد عقدين من احتلال أفغانستان أمام خسائر يومية لا تحتمل فأرادت بانسحابها الملغوم أن تعوض هزيمتها بتحويل أفغانستان إلى كرة نار تؤذي وتضعف جيرانها وهم خصوم الولايات المتحدة الألداء إيران والصين وروسيا وخاصة إذا عمت الفوضى واشتعلت الحرب الأهلية ولا يهمها من يحترق بالنيران الأفغانية حتى لو كانوا أتباعها من السلطة الأفغانية أو النظام التركي شريكها في “ناتو”.