اجتهاد منقوص ..!
تجتهد المؤسستان التشريعية والتنفيذية لإنتاج مشروعات مراسيم وقوانين بأفضل النصوص، لدرجة أن الجميع في القطاعات العام والخاص والأهلي يكيلون المديح لها فور صدورها واصفين إياها بالجيدة والأفضل، وإنها سدت الثغرات وغطت جميع الحالات والجوانب والنواقص التي كانت في النص التشريع الملغى أو المعدل “السابق”.
بعد شهر أو أكثر على صدور النص التشريعي الجديد نسمع كلاماً مغايراً؛ إذ تعود أسطوانة الانتقادات للدوران مجدداً “وكأنك يا أبو زيد ما غزيت” .. مطالبات بتطبيق القانون الجديد .. والتشدد في تنفيذ مواده وعقوباته .. والمواطنون يشتكون من استمرار المخالفات وعدم تحسين الخدمات وعدم التزام التجار والمنتجين ومقدمي الخدمات بما نص عليه القانون الصادر مؤخراً …إلخ من الشكاوى التي تبدو للوهلة الأولى وكأن القانون الجديد نسخة طبق الأصل عن سابقه، وأن المؤسسة المعنية بتطبيقه ما زالت تنفذ الإجراءات التي اعتادت على تنفيذها قبل صدوره .. إلا أن الحقيقة غير ذلك تماماً؛ فالقوانين التي يتم تطويرها تتضمن مواد وفقرات أفضل من سابقاتها لأنها تلحظ تغير الظروف وتراعي الحالات الجديدة لواقع الإنتاج والتسويق، وتلبي مطالب المواطنين بتحسين مستوى المعيشة ونوعية الخدمات التي تقدمها المؤسسات والشركات والوحدات الإدارية على اختلاف مجالات عملها .. والأهم تسد معظم الثغرات التي كانت متروكة في النص السابق لمرور الفاسدين وتكاثر المخالفين ونمو حالات الثراء الفاحش على حساب المواطن وخزينة الدولة.
بين هذا وذاك علينا الاعتراف بأن ثمة مشكلة بين النص والتطبيق؛ سببها فئة من العاملين في القطاعين العام والخاص بالتكافل مع فئة المستفيدين من ثغرات النص التشريعي السابق يحاولون في الأشهر الأولى التي تلي صدور النص الجديد تعطيله وربما تفريغه من مضمونه عبر بث شائعات بشأن تجميده لفترة معينة أو المباشرة بتشكيل لجنة لتعديله .. إلخ؛ من دون توفير وسائل التواصل الاجتماعي الفاعلة جداً في زمن الشائعات والصيد في المياه العكرة مستغلين حالة الصمت أو الارتباك التي تمر بها الجهة المعنية أو تأخرها أحياناً في إصدار التعليمات التنفيذية للقانون الصادر.
للأسف .. غالباً ما نسمع هذه الأسطوانة بعد كل نص تشريعي جديد وكأن منتجي هذه الأسطوانة يحاولون زرع بذور الخيبة في نفوسنا؛ فيما المعالجة الرسمية منقوصة في كل مرة، وتكون في الغالب لاحقة لا سابقة مع أن الجميع يتوقع سماع عواء جوقة التعطيل بعد كل نص تشريعي يصدر؛ من دون المبادرة إلى إيجاد حل جذري لإسكات صوتها إلى الأبد ..!