«رسائل محبة» ملونة من تسع فنانات تشكيليات

تسع فنانات تشكيليات من مرسم الفنان «عدنان حميدة» «APD»، اجتمعن في «غاليري مصطفى علي» ليقدمن معرضاً حمل عنوان «رسائل محبة6»، والذي يعدّ استكمالاً لتجاربهن في مختلف أشكال التصوير، وكي لا نبقى في إطار القراءات العاجلة لما جادت به قريحتهن الفنية، آثرنا حوار الفنان المعلِّم «حميدة» لمعرفة سيرورة تطور طالباته التسع، فكان التالي:
* نلاحظ في أعمال «ربا حسين» تأثراً بالفنان رامبرنت، كيف ترى ذلك؟
بالفعل أعمال «ربا» من التجارب الغنية في المرسم، فهي تعي ما تفعل بعد أن عاشت فن عصر النهضة وتأثرت بالفنان رامبرنت، فضلاً عن أنها قارئة من الطراز الرفيع في الثقافة والثقافة الفنية على وجه الخصوص, لذا جاء بحثها التشكيلي منصبّاً على أجزاء من لحاء شجرة الكينا، لتحورها إلى عمل تجريدي تكتشف الكون بأكمله من جزء صغير، كما يفعل المتصوفة للوصول إلى المعرفة، مستخدمةً في ذلك تقنيات الإكريليك بإحساس لوني عالٍ، تمثَّل بصيغة عجائن تتناوب مع شفافية في سياق يعطي ملامسة للشكل، بتأثيرات مختلفة، ما يتيح لعين المتلقي التأمل من غير ملل، خلال تجوالها في رحاب العمل.
* آثرت «راما ظاظا» تصوير الطبيعة بانطباعية أخاذة وأحياناً صارخة، ماذا تقول عن تجربتها؟
«راما» منذ بدايتها الفنية، تبحث كثيراً في اللون والتكوين بأداءات مليئة بالعاطفة، فهي تفرش الألوان على سطح اللوحة بإحساس مميز، وتمكُّن من التقنية اللازمة للتعبير، لذا نجدها تستخدم الألوان الزيتية بشفافية وسماكات لونية دسمة، طبقات بعضها فوق بعض بحيث يحتار المشاهد كيف نتجت تلك الألوان، وكانت النتيجة مجموعة أعمال بحثت من خلالها عن ذاتها، بعد أن جالت خلال سنوات عديدة باحثة في أساليب ومدارس مختلفة في الفن، لتحط بها الرحال في جماليات الطبيعة ورحابتها، كما أشارت بانطباعية في بعض اللوحات ووحشية صارخة في أخرى.
* تعبيرية خاصة نتلمسها في أعمال «لميس كريمو»، ما مصدرها؟
تماماً، «لميس» قدمت أعمالها التعبيرية من خلال وجوه متأثرةً بفن النحت، بتقنية الألوان الزيتية، وهي الأكاديمية التي تتقن الرسم والتقانات المختلفة، لميس تخرجت في كلية الفنون منذ سنوات عديدة وانقطعت عن الرسم ثم عادت بقوة لتمارس الفن بشغف الصائم على مائدة، مائدة اللون ورسم الوجوه، وتتميز أعمالها في البحث عن تعبيرية لتجد حياتها بها، إذ تبدأ بعمل (اسكتشات) لعملها تُفرِّغ جزءاً من عاطفتها وتترك جلَّ عاطفتها الفنية لترسم بجرأة فراشة ألوانها الرمادية الملونة على سطح لوحتها القماشية بكل ثقة، عاملةً على تكثيف جهودها للوصول إلى صيغة ذات طابع خاص بها، وجدت مفاتيحها بالقرب من نبضات قلبها.
* برأيك لماذا لجأت «نادية داوود» إلى السريالية لتصوير الدمار الذي خلفه الإرهاب؟
تدور لوحات «نادية» حول سورية، والدمار الذي خلفه الإرهاب، وخاصة في ريف دمشق، واستطاعت بتقنياتها في الكولاج والإكريليك أن تنشئ أعمالاً سريالية من غير قصد، فما عاشته من واقع كان سريالياً قادها لتكوينات مزجت به بين الواقع الصعب الذي نعيشه بسبب الحصار الجائر وبين استحضار لتمثال فينوس السورية، لتذّكر المتلقي بأننا نمتلك حضارة منذ آلاف السنين، أي إن المواضيع أتت عند «ناديا» بفعل الصدق الممزوج بدمعة عصية ذُرِفَتْ على سطح أعمالها، ومن الناحية الفنية تأتي تكويناتها موحية بالبساطة، لكنك إن تأملت في لوحاتها تجد حشداً من العناصر، تظهر تارة ثم تختفي، لتعود للظهور مرة أخرى بحركة وحنكة فنانة تمكنت من أدواتها.
* نلاحظ في أعمال «علا القاسم» اندغاماً بين فكرتها واشتغالاتها الفنية، هل تتفق مع هذا الرأي؟
«علا» طالبة في كلية الفنون قسم التصوير الزيتي، وهي تسعى لمعرفة أسرار العمل، لذا تجد في أعمالها جهداً مبذولاً للوصول إلى البساطة، استخدمت تقنيات الكولاج والاكريليك متأثرة بكل ما شاهدته، ليخرج إلى لوحتها شكلاً ومضموناً يرضي شغفها لإحداث عمل فيه الفكرة والبنية الفنية، لوناً وتكويناً يخرج عن التعاليم الأكاديمية، فهي تفرش ألوانها لتكتشف شكلاً تحوله إلى فكرة بعد أن قادها اللاوعي لتصميمه، لذا هي غالبا تبدأ باللون والتقنية ثم تبحث عن موضوع يناسب الأحاسيس المجردة التي بدأت بها، وفي اللحظات الأخيرة من إنجاز العمل تضع بعض اللمسات لتغير مقولة لوحتها من مسار إلى آخر ما ينقذ عملها بدهاء مشروع.
* ثمة حس غرافيكي واضح في لوحات «رشا الجنن».
صحيح،أن «رشا» درست فن الغرافيك، لكن حسها الصوفي قادها إلى موسيقا لونية مدروسة، تستقيها من درايتها في التصميم اللوني، لذا تجدها عارفة لمجموعاتها اللونية التي لا تحيد عن توازنها، تبدأ «رشا» عملها بعبثية اللمسات وفرش الألوان حتى تصل إلى مجموعة من التساؤلات تستفزها لتجيب عنها على مراحل من البناء والهدم والحذف والإضافة لصالح العمل.

تستخدم الكولاج وتخرج عن المألوف، فها هي تجعل من الكتاب المهجور عملاً يُشاهد بألوان صاخبة، خارجاً من بعد اللوحة المسطحة إلى فراغ معماري تفكيكي هبَّت به الرياح في يوم عاصف، تناثرت سطوره مع الريح، أو كُبِّل بحبلٍ متين لا يقدر على البوح بشيء عما يحيك في صدره.
يبنى عملها على اللون والتكوين، مبتعداً عن أي شكل مرسوم أو إيحاء بشكل تجده في الطبيعة.
* تحوير البشر في لوحات «ديانا مارديني» يحيلنا إلى عوالم داخلية وبوح وبحث، هل تعتقد أن بحثها جزء من عملها الفني؟
المتابع لأعمال «ديانا» منذ بدايتها، بإمكانه أن يستقرئ موهبتها جيداً، أنا أراها محبة وجادة متوازنة بين معرفتها وحسها الإبداعي، تبحث وتبحث قبل أن تخرج لنا بعمل جديد، دفاترها مليئة بالدراسات البحثية عن فكرة وشكل، قبل أن تنجز عملها، تعيش فترة من الألق الفني والمجاهدة، ثم تنجز عملها بيسر وأناقة. اتخذت لنفسها شخوصاً بريئة الملامح توحي بمجموعة بشرية تنتظر الرحيل إلى عالم فيه السلام، ليأتي اللون الأحمر الجريء مع الخطوط السوداء بقلم الفحم، لتنشئ من خلالهما عالماً حسياً واقعيَّ الدلالة بموضوعه، وحديثاً في رؤيته الفنية، وبرأيي، بساطة الشخوص المحورة نتجت بعد دراسات كثيرة، وهذا منهج يتبعه كثير من الفنانين المحترفين.
* في أعمال «روان حسين» شعرية ما، ولعب على التناقض.
منذ معرفتي بها قبل سبع سنوات قلت لها: «لديك موهبة وإحساس جميل خاص فيه هواء طلق»، وفعلاً أثبتت «روان» موهبتها وحسها المرهف، حيث قدمت أعمالاً رسمت فيها الطبيعة حتى جردتها وأظهرت ما فيها من موسيقا لونية تتصف بالهارموني، هدوء ظاهر وعاصفة شديدة داخلها، فُرِشَت على سطح اللوحة القماشي، لمسات تأثيرية انطباعية تركت بعفويتها الأولى تارة، وجبلت بعجائن لونية تارة أخرى، تسهو قليلاً أثناء العمل فتكون تلك الومضة الإبداعية الخفية التي استحضرتها كما استحضر «ديك الجن» كلماته.
* ثمة تمرد واضح في أعمال «أمل بقاعي»، ما مردُّه برأيك؟
** «أمل» تعمل في التصميم الغرافيكي منذ زمن، لكن في أعمالها خروج عن قيد التصميم الحاسوبي، ومحاولة للانقلاب على المفاهيم المحسوبة في التصميم، بمعنى أن ثورتها انصبّت على لوحاتها بكثير من التمرد والانفعال، تنظر إلى ألوانها فتجد السماء ليلاً بحس طفولي صادق، ثم تنظر مرة أخرى فترى طيف ألوان اجتث من قلب جبل يخرج منه الماء المتلألئ بانعكاسات الزمرد واللماس، لقد اتخذت التجريد طريقاً يحقق لها الخروج من الآلام تطهيراً لعالم ظالم، ومع إن المتلقي للوهلة الأولى يجد عبثاً، إلا أن المتمعن يعرف درايتها في اللون والتكوين، وبرأيي «أمل» حالة متفردة بعوالمها اللونية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار