قراءة في موسم القمح لهذا العام.. إنتاج موعود وحصاد مفقود
حماة – محمد فرحة:
ما جرى لمواسمنا الزراعية المتعلقة بإنتاج القمح ليست قضية فرد أو قضية وزارة، وإنما هي قضية أناس وأمن غذائي، فليس من المعقول أن نبقى نرمي التهمة في كل موسم لجهة تراجع الإنتاج على العوامل المناخية والمتغيرات المطرية، فإن أمطرت شكونا المطر، وإن كان الموسم جافاً شكونا الجفاف.
فلا بد من دراسة الأسباب بكل عمق، فعلى مدار السنوات الأربع المنصرمة لم يصل إنتاجنا من القمح إلى المليون طن، أي نصف حاجتنا لصناعة الرغيف، وكل تأخير في دراسة الأسباب الجوهرية لما يجري سيزيد تشابك العقد واستحكامها ويصعب حلها، وقد بدأ المزارعون يتململون ويحجمون عن زراعات بعينها، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقمح “أمننا الغذائي”.
وفي لغة الأرقام الإنتاجية الأخرى، فقد وصل إنتاجنا من السكر الخام عام ١٩٩٨ إلى ١١٢ ألف طن، تبلغ قيمتها التقديرية في تلك الحقبة ثلاثة مليارات و٩٠٠ مليون ليرة، أي حوالي ٨٨ مليون دولار وفقاً لسعر الصرف آنذاك، “وفقاً لوثيقة موجودة لدينا”.
وبالعودة إلى عنوان موضوعنا المتعلق بإنتاج القمح، فمن المؤسف جداً أن نشهد هذا التردي، ونلقي الأسباب دائماً على المتغيرات المناخية، وفق معزوفة جماعية وفردية.
لا أحد ينكر دور الظروف المناخية أبداً، لكن كما أصابت منطقتنا، أصابت المناطق والبلدان الأخرى، ومع ذلك كان إنتاجهم مثيراً للانتباه.
فالتنمية المستدامة بمفهومها المادي السلعي تتجسد في دفع الإنتاج بمعدل يوازي معدل الاستهلاك والحاجة المطلوبة.
إذاً لا بد من الدفع الكلي بالإنتاج القومي، وفي أبسط الأمور الوصول إلى الاكتفاء الذاتي.
فمنذ سنوات لم نصل إلى نصف هذا الاكتفاء الذاتي، رغم كل الشحن المعنوي والأحاديث عن أهمية الزراعة ودورها الكبير في الشأن الاقتصادي .
مدير زراعة حماة ورئيس اتحاد فلاحيها ذكرا كلّ على انفراد لـ”تشرين”، بأن هذا العام شكّل انتكاسة لجهة إنتاج القمح، ولم يكن أحد يتوقع هذا التراجع الكبير، حيث لم يلامس نصف إنتاج العام المنصرم في محافظة حماة ، ولا على مستوى المحافظات الأخرى.
وأوضح مدير زراعة حماة المهندس أشرف باكير أن إنتاج المحافظة كان العام الماضي ٢٢٣ ألف طن، وهذا العام تم تسويق ١٠٨ آلاف طن، عدا عما يتم تسويقه الآن لمصلحة فرع إكثار البذار بحماة.
وأضاف: إذا اتفقنا جدلاً بأن المتغيرات المناخية كانت سبباً رئيسياً وراء ذلك، فقد يكون هذا في محافظة حماة أو محافظة أخرى، أما أن يكون واقع الحال في كل المحافظات مماثلاً، فهذا لافت للنظر، بل محزن ومؤسف، وخاصة أنه تم توفير ما يلزم للمحصول ولو في حده الأدنى. وقد سعت وزارة الزراعة إلى ذلك ما استطاعت إليه سبيلاً، فالموضوع يحتاج إلى دراسة أعمق بالتحليل والتركيب.
غير أن رئيس اتحاد فلاحي حماة حافظ سالم بيّن أن موسم القمح هذا العام ألحق خسائر كبيرة لزارعيه، فلم يكن مردود الدونم محققاً للتكلفة التي بلغت مليوناً و٣٠٠ ألف ليرة للدونم الواحد، لتأتي النتائج والمردود بما لا يتعدى وسطياً عن الـ ١٥٠ كغ.
وأضاف سالم: فكان من المفترض أن يعطي وسطياً ١٧٥ كغ في حده الأدنى، وفقاً لما جاء في المذكرة التي تم رفعها إلى وزارة الزراعة عن طريق محافظة حماة، وتطالب المذكرة بتأجيل الديون المترتبة على المزارعين وتدويرها وتأجيلها للعام القادم.
من جانبه، أوضح مدير فرع إكثار بذار حماة المهندس عثمان دعيمس أن مجمل ما تم تسويقه من القمح الإكثاري حتى الآن هو / ٨٠٠٠ / طن فقط.
وعندما أبدينا استغرابنا لهشاشة الرقم وتدنّيه، عاد دعيمس وأكد أنه هو الأفضل على مستوى كل المحافظات المزروع فيها قمح إكثاري.
وأختم لأستشهد بمثالين اثنين، أحدهما لخبير القمح الدكتور سلطان اليحيى من الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية والذي سبق أن ذكر لـ”تشرين”، أن إنتاج الدونم في حقول التجارب الاختبارية للقمح أعطى ٧٦٠ كغ بالقمح القاسي، و٧٩٠ كغ بالقمح الطري، لكن بعدما تم توفير ٢٥ كغ من السماد للدونم الواحد، إضافة إلى الريّات المطلوبة.
في حين قالت سيدة عجوز في سهل الغاب يوماً لوزير زراعة سابق على مسامعنا وهو يتفقد محصول القمح في بلدة قبر فضة: كل زياراتكم هذه لا فائدة منها، نريد منكم فقط أن توفروا لنا السماد والمياه واتركوا الباقي علينا.
بالمختصر المفيد: إن جل ما يلزم محصولنا من القمح هو حاجته الفعلية من الأسمدة ونوعية البذار عالي الإنتاج.