الحصار الاقتصادي .. عائق أمام استيراد الأسمدة والأدوية الزراعية
خبير زراعي يدعو للاستفادة من الأسمدة العضوية المحلية لتعويض النقص
كان معمل الأسمدة يؤمن 80% من الحاجة المحلية للأسمدة، ويتم استيراد العشرين بالمئة الباقية.. الآن أصبحت الحالة معكوسة فالإنتاج المحلي لا يغطي أكثر من 15-20%، ويجب تأمين البقية عن طريق الاستيراد وذلك بعد تعثر الإنتاج المحلي بسبب الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على سورية.
الطلب الزائد على استيراد الأسمدة تزامن مع حصار اقتصادي جائر، يعوق حركة البواخر لشحن الأسمدة إلى سورية من جهة، ويسبب نقص وصعوبة تحويل العملة الأجنبية إلى الخارج من جهة أخرى.
مدير مؤسسة التجارة الخارجية شادي جوهرة أكد أن البواخر وصلت أكثر من مرة إلى المرافئ السورية لكنها لم تتمكن من إفراغ حمولتها.
ومع النقص الكبير في كميات الأسمدة، وإطلاق وزارة الزراعة حملة «عام القمح» تم تخصيص كل الكميات المتاحة من الأسمدة للقمح، ومع ذلك لم يكن المتاح منه كافياً، إضافة إلى حرمان الزراعات الأخرى من إنتاجية أعلى بعدم حصولها على الأسمدة المطلوبة.
مخازين خاوية
يقول المدير العام للمصرف الزراعي التعاوني إبراهيم زيدان إنه لا توجد أي كميات من الأسمدة حالياً في المصرف الزراعي، والأسباب هي الحصار الاقتصادي من جهة، وتوقف معامل الأسمدة المستثمرة لأنها ما زالت في طور التأهيل.
وأضاف زيدان: إن الكميات المبيعة من قبل المصرف خلال هذا العام ولغاية الشهر الثالث منه بلغت 211 طن سوبر فوسفات، 20712 طن يوريا 46، إضافة إلى 10261 طناً من نترات الأمونيوم، و252 طناً من سلفات االبوتاس.
وبيّن زيدان أن لجنة احتياج البلاد من الأسمدة الزراعية التي يرأسها وزير الزراعة قدرت احتياجات الموسم الزراعي لعام ٢٠٢١/٢٠٢٢ بــ٢٠٠ ألف طن سوبر فوسفات و٣٠٠ ألف طن يوريا للموسم القادم وعند تسعير الحبوب لموسم عام ٢٠٢١ تم الأخذ في الحسبان عدم توزيع كامل الدفعة الثانية من الأسمدة وأنه تم احتساب تكاليف إنتاج القمح للفلاحين حسب سعر السوق لمستلزمات الإنتاج.
هذه ظروفنا
يتحدث مدير مؤسسة التجارة الخارجية شادي جوهرة عن الصعوبات التي تواجهها البلاد لتأمين الحاجة من المستوردات بسبب العقوبات الاقتصادية، بما في ذلك الأدوية التي تصنف خارج المواد المشمولة بالعقوبات ولكن صعوبات الشحن وتحويل العملة تجعل استيرادها غير ميسر أيضاً.
وأكد أنهم بانتظار وصول شحنة أسمدة، وأنه تم الإعلان أكثر من مرة عن مناقصات لاستيراد الأسمدة، ولكن لم يتقدم إليها أحد بسبب العقوبات الاقتصادية التي تجعل البواخر تحجم عن هذا الأمر.
وأوضح جوهرة أن هناك بواخر وصلت أكثر من مرة إلى سورية لكنها لم تتمكن من إفراغ حمولتها، وذلك بسبب التضييق الأمريكي والغربي على البواخر التي تصل إلى سورية، خاصة بواخر الأسمدة، لأن سماد اليوريا يمكن استخدامه في الحروب.
وبيّن جوهرة أن دور المؤسسة ينحصر في تأمين النقص من مادة السماد والمقدر سابقاً بنحو 20%، وأن الاستيراد كان غالباً يتم لتغطية حالات طارئة كعطل أو توقف جزئي في المعمل.
وقال جوهرة: إن إنتاج إيران من الأسمدة هو الأفضل والأرخص عالمياً، لكن المشكلة في طريقة إيصال البواخر إلى الشواطئ السورية، فالشركات الخاصة هي من سيجازف ويشحن.
فشل المناقصات
أما مدير المركز الوطني للسياسات الزراعية في وزارة الزراعة رائد حمزة فيرى أن أهم المشاكل المتعلقة بمستلزمات الإنتاج الزراعي هو نقصها وغلاء أسعارها وخاصة المستوردة كالأسمدة والمحروقات والأعلاف، وأن هناك الكثير من الأسباب التي تعوق الاستيراد كالإجراءات القسرية أحادية الجانب والحصار الاقتصادي الغربي الأمريكي على سورية والتضييق الخارجي على حركة التجارة والقيود المفروضة على حركة ونقل الأموال عبر المصارف، إضافة إلى ارتفاع سعر الصرف وعدم استقراره، والنتيجة زيادة أسعار المستلزمات المستوردة بحيث أصبح من الصعب استيراد مستلزمات الإنتاج من أي مصدر كان.
وأضاف حمزة: بالنسبة للأسمدة الكيميائية فإن معمل الأسمدة في حمص بطاقته الإنتاجية الحالية لا يؤمن سوى من 15-20% من الاحتياج الكلي من الأسمدة وبالتالي يتم تأمين بقية الاحتياج عن طريق الاستيراد، وأنه بالرغم من أن هناك قراراً بدعم الأسمدة الموزعة عن طريق المصرف الزراعي التعاوني، إلا أن المصرف يعاني صعوبة في تأمين الأسمدة بسبب فشل المناقصات المعلن عنها حيث لا يمكن استيراد هذه الأسمدة سوى عن طريق القطاع الخاص، والسبب – كما ذكرنا – يعود إلى الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على جميع مؤسسات الدولة. كذلك الأمر بالنسبة للمحروقات حيث يتم تأمينها بصعوبة من الأسواق الخارجية وبكميات محدودة تقوم الحكومة بتوزيعها حسب الأولويات وفي هذا العام تم تخصيص وتأمين كامل الكمية المتاحة من مادة المازوت والأسمدة لمحصول القمح بهدف تنفيذ الخطة المقررة لهذا المحصول وتأمين حاجة سورية من القمح.
حاجة ماسة
ليس النقص في الأسمدة بالأمر العادي، فالزراعة التي نحن بأمسّ الحاجة إلى منتجاتها ينخفض إنتاجها كثيراً إذا لم يتم استخدام الأسمدة، يقول الخبير الزراعي المهندس عبد الرحمن قرنفلة: إن نقص الأسمدة يتسبب في خفض مستويات الإنتاج ما بين 35 إلى 40% عن مستويات الإنتاج التي يمكن الحصول عليها باستخدام الأسمدة.
وأضاف: إن هذه الحقيقة تفرض علينا الاستفادة من الأسمدة العضوية المحلية لتعويض النقص الحاصل في الأسمدة الكيميائية، علماً أنه في سورية تختلف نسبة المادة العضوية في التربة من مكان إلى آخر حسب المعاملات الزراعية والإضافات العضوية والمناخ السائد في المنطقة.
وقد سبق للدكتور أمجد بدران من هيئة البحوث الزراعية أن انتقد توجيه الأسمدة إلى محصول القمح على حساب بقية المحاصيل الأخرى، وأكد أيضاً أن المساحة التي تزرعها مصر بالقمح تساوي المساحة المزروعة في سورية وهي مليون ونصف المليون هكتار، وأن إنتاج مصر من القمح يصل إلى 9 ملايين طن، بينما إنتاج سورية لا يتجاوز 3 ملايين طن، ويرجع السبب إلى كميات الأسمدة التي تخصص لكل دونم من اليوريا وسوبر فوسفات وسلفات البوتاسيوم، بينما هذا لا يحصل في بلدنا!