وأستصلحُ الأدنى

هل تبهجُ المرءَ نعمةٌ حصلَتْ
ما لم يكنْ مبهجاً بها أهلا ؟!
بهذا البيت الجميل للشاعر خليل مطران أحببت أن أبدأ العزف على أعواد وشائج القربى والتي لعلّها تختلف وتتمايز باختلاف وتمايز طبيعة تلك العلاقة والوعي الذي يمكن أن يكتنفها ، فمنّا من يبالغ في تمجيدها ، ومنّا من ينظر إليها بشكل عابر، وكثيرون يضعونها في ميزان العاطفة المحضة، وثمّةَ من يضعها في ميزانَي العاطفة والحكمة معاً، فكيف تعامل ذوو التجربة الناضجة من أهل الأدب مع ذلك وفي أيّ منحى نحوا بمفهوم القرابة وصلة القربى والأقرباء ؟
وعلى وتر صدق المودة يعزف المبرّد ، فيقول :
ما القربُ إلّا لمن صحّت مودّتُهُ
ولم يخنكَ ، وليس القربُ بالنسبِ
وأما حبيب بنُ أوس الطائي ( أبو تمام ) ، فيدعو إلى اعتماد حقيقة المودة، ولكنه يشدّدُ على عدم التخلّي عن قريبِ عرف سمة القرابة فمدّ يد الودّ، وإلّا فلا خير في قرابته ، يقول :
لا خيرَ في قربى بغيرِ مودَّةٍ
ولرُبَّ منتفعٍ بودِّ أباعدِ
وإذا القرابةُ أقبلتْ بمودَّةٍ
فاشددْ لها كفَّ القبول بساعدِ
وما أحسن مايقوله الشيخ عبد الله السابوري في معيار صحة القربى في النوائب :
إذا القريبُ لم يكن وليّا
في ماينوبُ ، كان أجنبيّا
واعلمْ بأنَ أقربَ الأقاربِ
إذا جفاك أخبثُ العقاربِ
ويذهب معقل بن قيس مذهب الرقي في السماحة والإعراض عن الجهل ، فالصفح والعفو والبشر من أعظم مكارم الأخلاق ، وأصحابها قليلٌ :
وأعرضُ عمّا ساء قومي ثناءه وأستصلحُ الأدنى ، وإن كان ظالما
ويدعو الشاعر علي بن المقرب إلى الحرص على تمتين حبل القرابة ما أمكن ، وإلى استبقائهم للنائبات والعوادي :
فمن الخساسة أن تكونَ على العدا
غيثاً وفي الأدنين ليثاً ألْيَدا
فاستبْقِ قومَك للخطوبِ ولاتكنْ
سيفاً عليهم بالهلاك مجرَّدا
وأختم بمقاربة جميلة ليحيى بنِ زياد ذلك عبر مفردةٍ واحدة يراها مقياساً لحدود القرابة والقربى ، إنها (المودة) ولاشيء غيرها فصاحب المودة الصادقة هو القريب ، وليس كل قريب يحمل سمات الإخلاص في وداده :
ولقد عرَفتُ القائلين وقولَهم
وفهمتُ ما ذكروا من الأسبابِ
فإذا القرابةُ لا تقرّبُ قاطعاً
وإذا المودَّةُ أقربُ الأنسابِ

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار