الفنان شادي جميل لـ”تشرين”: سورية وطني ومن لايملك وطناً لا أمّ له ولاوجدان

هو الشادي بصوته .. والجميل بحضوره .. ومابين جمال الصوت، وجودة الأداء، تربع بقوة فيما قدمه عبر مسيرته الغنائية، مسيرة نحت فيها وجوده في صخرة اللون الذي قدمه متفرداً، وقام بتطويره لحناً وغناءً.. يعود اليوم الفنان شادي جميل إلى الشام عاشقاً حاملاً ، عشقه وحبه ليصدح به غناءً على مسرح دار الأسد للثقافة والفنون.. وفي لقاء خاص مع (تشرين) بدأ حديثه شعراً عن سرّ هذا الحب قائلاً:
أليست الشام لغزاً من الله.. واللغز تنعقد من أجله الشام..
* دعنا في البداية نأخذ فكرة عن أصداء الحفل، وإصرارك على الإطلالة على مسرح دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق؟
هذه خامس إطلالة لي عبر دار الأسد للثقافة والفنون، واعتبر أن الوجود فيها؛ له رمزية ثقافية وحضارية، وقيمة كبيرة في عالم الفن والثقافة والمجتمع، ويجب أن يقدّم للفنان حفلات نوعية على مسارح لها أهميتها لأجل الفنّ الراقي، والناس الذين حضروا؛ هم أناس مميزون.. أتوا لسماع هذا الفن، …. ورغم الظروف الاقتصادية التي نعيشها؛ أفضل أن أظل موجوداً ببلدي الذي انطلقت منه.
حافظت على هويتي
* أمام الكثيرين الذين يغنون اللون الحلبي، كيف يُمكن للمطرب أن يتميز بأداء لون واحد يؤديه الكثيرون.. دعني أوضح: بماذا اختلف شادي جميل عن غيره من المطربين الكثر الذين يغنون اللون الحلبي؟
صحيح أننا جميعاً خرجنا من هذه المدرسة التي هي قاعدة بالنسبة لنا، وبنينا عليها أسس متينة، ولكن الكثير منهم بقوا على التراث ولم يجددوه، أما أنا فقد قمت بإضافة أغانٍ وبصمة جديدة تحمل اسمي، فأنا لا أقبل أن أكون رقم (2) أو رقم (3) ، بل أحب أن أكون في المرتبة الأولى عبر الشيء الذي أقدمه، وأنا حافظت على هويتي ولم أغنّ بلهجاتٍ أخرى، وغنيت بلهجة سورية حلبية، وكل من تعاملت معه كان سورياً خالصاً، وأغلبهم من حلب، والأغاني التي قدمتها جاريت عبرها العصر والزمن الجميل في آن، واستطعت أن أشد جميع الأعمار، وأسمعتهم الكلاسيك الحلبي من خلال الأغاني التي قدمتها.
تفرد اللون الحلبي
* هناك مطربون سوريون، وحتى عرب أغواهم الغناء الحلبي، وجربوا أداءه، كيف تنظر لتجارب المطربين من غير الحلبيين الذي غنوا اللون الحلبي؟ بمعنى هل ينجح غير الحلبي في الغناء؟
هناك مثل يقول “لاتبيع المي بحارة السقايين”، ومن يغني اللون الحلبي يجب أن يكون حلبياً، ولو قلتِ لي أي أحد من أي محافظة أخرى غير حلب؛ أقول إنه لا يستطيع، لأنه يجب أن يكون متشرباً اللهجة والروح والأداء، هذا اللون مدرسة أنجبت كبار الملحنين والمطربين، حتى كبار الملحنين في مصر زادت معارفهم بالفن والموسيقا من خلال الملحنين الموجودين في حلب، وبخصوص من جربوا أداء هذا اللون لم ينجحوا في هذا المجال.. قد يكون هناك مطرب أو اثنان فقط لا غير استطاعوا النجاح إلى حدّ ما، لكن لم يجيدوه كما يجب، فمثلاً أنا حلبي هل أغني ميجانا وعتابا في لبنان الشقيق أو أغني باللهجة المصرية … “بيضحكوا علينا أهل مصر”.
* أكثر ما يميزك قدرتك على تطويع المواويل والقدود الحلبية بأسلوب معاصر، هل نعتبر ذلك خروجاً بعض الشيء عن الحالة التقليدية في الغناء الحلبي؟
مساحة الصوت تساعدني كثيراً بتطويع الموال والقصيدة، والألحان الجديدة التي قدمتها ليست غريبة عن تراثنا كون الملحن حلبي قد استوحى اللحن من التراث الحلبي، وكاتب الأغنية كذلك هو ابن مدينة حلب، وعاش فيها، ونحن بذلك لم نبتعد عن التراث، ولكن أود أن أشير إلى شيء هام: البعض يقول لي إنني “نبشت” بالتراث.. أنا لم أنبش فيه لأنه ليس مخبأ كي أخرجه إلى العلن.
سرّ سميعة حلب
* ارتبطت حلب بالسميعة والغناء وأغلب الذين يخرجون منها كمطربين لا يخرجون من عباءتها، كيف تُفسر ذلك ؟
منذ قديم الزمان؛ عندما يكون هناك أي احتفال، أو أي مناسبة فرح ما في حلب، يجب أن يكون هناك حفل، وشرطه أن يمتد حتى الصباح الباكر ولغاية شروق الشمس، لذلك هناك أغنية “يامسعدك صبحية .. مع طلعة الفجرية” والتي كانوا يغنونها عند انبلاج الصباح، وعند خروج الناس منتشين، والمطرب هنا يكون على المحك في قدرته على إظهار موهبته ومخزونه الغنائي لتعبئة هذا الوقت الطويل حتى إشراقة شمس الصباح، وقدرته على جذب الناس، وجعلهم يطربون وينتشون لما قدمه من أغانٍ..
* كثر لايستطيعون التفريق بين القدّ والموشح.. هل ممكن أن يحصل خلط بينهما؟
لا المثقفون ودارسو الموسيقا؛ لهم القدرة على التمييز بين القدّ والموشح، فالقدّ من الأغاني البسيطة، أما الموشح، فهو شعر له أوزان مختلفة وطريقته في الغناء، تعكس قوة المطرب وثقافته، والحفلات في حلب كانت تبدأ دائماً بوصلة موشحات، والموشح هو شعر أندلسي، والقدّ هو عبارة عن لهجة محلية تندرج تحت مايسمى السهل الممتنع.
آلات مشوهة من الغرب
* في هذا الإيقاع الحياتي السريع، برأيك الألوان الغنائية قابلة للاستمرار في هذا العصر؟

هذا التغيير الحاصل في التكنولوجيا، ومواقع التواصل الاجتماعي، وتسريع الإيقاع؛ هو أمر مرفوض بالنسبة لي، وإذا أردنا الدخول في العصرنة والحداثة؛ نستطيع إدخال آلات غربية، ولكن الأوبرا ترفضها، كآلة (الأورغ) والذي يعتبرونه مشوهاً للنغمة الأصلية، ولكن في الحفلات العامة، يجب أن يكون موجوداً وبالمناسبة (الأورغ) آلة “رزيلة” صنعها الغرب ليستغني عن طاقم كامل من الموسيقيين…
لا للفيديو كليب
* البعض ينتقدك بأنك بعيد عن التكنولوجيا والفيديو كليب، وأنك تفضل اللقاءات المباشرة مع الجمهور.. برأيك هل تفضل أن تكون بعيداً عن هذه التقنيات؟
هذا نقد.. لكن من جهتي أفضل أن أكون بعيداً عن الفيديو كليب، وعندما يعتاد الناس على أن يقدم المطرب شيئاً جميلاً فإنه يعتاده، وما هو (الفيديو كليب)؛ هل هو أن أصور في إحدى بقاع الطبيعة الجميلة في العالم مع مجموعة من الفتيات اللواتي يتمايلن ويرقصن على أنغام موسيقا بلا كلمة أو لحن، أنا لا يخدمني الفيديو كليب وأحبذ التواصل المباشر مع الناس، وأكره (البلاي باك)، وهناك الكثير من حفلات (البلاي باك) تسببت بحرج بالغ لمطربيها نتيجة خطأ فني في (السي دي)…
* علاقة الكلمة والإحساس، علاقتك بما تغنيه، وشكل العلاقة بينكما؟
هي حالة تمر بلحظتها.. فمثلاً عام 2013 عندما شاهدت دمار حلب والمآسي التي حصلت فيها وكيف ضرب الإرهاب الأسود المدينة، وتسلل إلى شوارعها، والتخلّف الذي يصدّره، ويحمله هؤلاء التكفيريون لهذا البلد، قدمت أغنية “شهبا وش عملو فيكي “، والتي أتت بلحظة وجدانية عصفت في داخلي، وكان الألم الذي عشته نتيجة ما حدث لهذه المدينة.. هذه الأحاسيس جعلت الناس يعيشون كلمات الأغنية في وقتها، يمكن القول إنها أول أغنية وطنية علقت في أذهان الناس مع بداية الحرب الكونية على بلدنا الحبيب، وعادة تمر الأغاني مرور الكرام.. لكن هذه كان لها وقعها، وأثرها الكبير في نفوس الناس.
* إلى أي درجة من المهم أن يكون هناك من يكتب ما تشعر به؟
هناك من يكتب بما أحسه، وهو الشاعر الغنائي صفوح شغالة، وأكثر الأعمال التي قدمتها، ونجحت؛ كانت معه، رغم المد والجزر والإختلافات بيننا، إلا أننا نعود لنلتقي دائماً، يمكن القول إن حالة الوفاق مع الملحن والشاعر لها مفرداتها، وبالنهاية التوفيق من الله تعالى.. حتى صفوح نفسه؛ كتب الكثير من الأغاني للكثير من المطربين بوقتها، ولكنها لم تعمّر، وهناك أغانٍ كتبها لي منذ أكثر من ثلاثين عاماً؛ أبرز ما يميزها استمراريتها بدليل أن الكثير من المطربين يغنونها.
صوت الفنان سلاحه
* سورية تمر بمرحلة حساسة، إلى أي درجة يمكن أن يكون الصوت سلاحاً في وجه أعدائها ؟
الفنان مثله مثل الجندي الذي يحارب بسلاحه على الجبهات، فهو يحمل ألمه وصوته وأحاسيسه، وأنا بكل جولاتي حول العالم؛ حملت العلم السوري، وأنا أعتز بعلم بلادي، وبسوريتي.. صحيح أن هناك دولاً منعتني من الدخول إليها، ولكن هذا لم يوقفني، فسورية وطني، ومن لا يملك وطناً ليس له أم ولا وجدان…
* جديدك في المرحلة القادمة؟
هناك الكثير من الأشياء المعروضة عليّ، ولكن جميعها قيد الدراسة، ولاحظت حب الناس وتعطّشهم إلى الأغاني الرومانسية هذه الفترة، لذا قد أذهب إلى هذا المزاج في جديدي القادم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار