زيد قطريب:
تطور العصر كثيراً وبقيت الإذاعة محافظة على جاذبيتها، رغم أن عبارة «بالعين راديو» تشكل تهمة لمن يرغي بالحديث رشّاً ودراكاً, فلا يستريح بين الفواصل والجمل بل يحرص على متابعة «اللعي» بفائدة ومن دون فائدة.. ولأن الأذن تعشق قبل العين أحياناً، فإن أصواتاً شهيرة عرفناها من خلال الراديو، ظلت تربطنا بذلك الجهاز الصغير الذي أحدث ثورة في مرحلة ما من تطور الاتصالات، بل إن كثيراً ممن نعرفهم يحرصون على رفقتهم الدائمة مع الراديو ويرون أنه الأكثر حميمية وخيالاً من أمراض الموبايل التي تستهلك العين وتغرق المرء في التسالي إلى حد الانعزال!.
تستحق الإذاعة الاحتفاء بيوم عالمي، رغم الكوارث التي ألحقتها إذاعات «الإف إم» بالموجة القصيرة عبر البرامج السطحية وتدمير اللغة ومحدودية الاهتمامات، مع الإشارة بالطبع إلى العديد من البرامج المهمة والجادة في العديد منها وهي نادرة للأسف، إلى درجة أن الكثيرين يتحسّرون على الإذاعة أيام زمان، بتمثيلياتها وموسيقاها وبرامجها الثقيلة، فالإذاعة شأنها شأن الفضائيات، أصيبت بلوثة الاستهلاك والإعلان وتسويق البضاعة بغض النظر عن الجودة، كأن البث مخصص لسائقي التكاسي وركاب باصات النقل الداخلي، بحيث تنتهي الفاعلية عند نزول الراكب الذي لم يعد يعلق في ذهنه أي برنامج ولا صوت رخيم أو بصمة مختلفة، تدفع الإنسان إلى إدارة المفتاح وتحريك الإبرة باتجاه التردد الذي سلب مخه في هذه المحطة أو تلك!.
شخصياً، مازلت أحفظ موسيقا نشرة الأخبار الصباحية في إذاعة دمشق، وأحنّ إلى صوت هيام حموي وصبحياتها الجميلة مع صوت فيروز.. رغم تبدل الأذواق وانقلاب المفاهيم والثقوب الكثيرة التي أصابت غشاء الطبل، إلا أن الإذاعة مازالت تحافظ على رونقها حتى لو قالوا عمّن تبقى ألسنتهم خارج حلوقهم: «بالعين راديو»!.. عرفتوا كيف؟.