17 لوحة مسرحية لأنماط البشر

بعد امتحان طلاب السنة الثانية في قسم التمثيل ضمن المعهد العالي للفنون المسرحية لمادة الشخصيات الحيوانية، والتي يهتمون فيها بطباع الحيوانات وسماتهم العامة من شكل وحركة، وما إلى هنالك، ها هم في الفصل الثاني ينتقلون إلى الشخصيات النمطية البشرية، ساعين إلى النبش في مشاهداتهم الشخصية، بغية خلق أنماط فريدة بما تمتلكه من سلوكيات وانفعالات خاصة، وما تتضمنه من انعكاسات مجتمعية، وبنية نفسية متميزة، وفق ظرف كل منها.
في مسرح “أسعد فضة”، وأمام لجنة التحكيم، استعرض طلاب السنة الثانية سبع عشرة شخصية نمطية، تنوعت بين: الحميماتية المسترجلة التي تتمحور حياتها حول الحمام وأنواعه، ذكوره وإناثه، وإسقاط ذلك على حياتها الواقعية، والمتأثر بشخصية «عبد الحليم حافظ»، ذي الأحلام المكسورة بعد زواجه واشتغاله في حمّام عمومي ليعيل أولاده الخمسة، و«الوشيش» في الكراجات ومكابراته واعتداده بنفسه، وموظفة البنك المستقوية على من يريد محاكمتها بالفساد، وبائع محارم الجيب بصوته العذب، والشخص العنين وعذاباته التي تمتد إلى طفولته عندما كان يعاني من السلس البولي، واستمرارها بعد زواجه من امرأة أبعد ما تكون عن الشَّرف، ومندوبة مساحيق التجميل وكريمات ترطيب البشرة، والمرأة العانس التي تتعرض لاضطهاد أمها وزوجة أخيها، وأستاذ التمثيل في معاهد الشبيبة، الذي فشل في دخول المعهد العالي للفنون المسرحية بعد سبع مرات من التقديم على فحص القبول، والمحقق الطاعن في غِيِّه، والباحث عن حيثيات قضية سرقة في حيِّه لمحل الرفيق أبو رامي، وابن الضيعة المنعزل في بيته وعشقه لإحدى الفتيات، والمُضطهد من قبل أبيه الفلاح، والمنفصم عن واقعه بلعب الورق والتبصير، لكنه لا يلبث أن يعود إلى قسوة الواقع بعد اتصال من والده الذي يدعوه لموافاته إلى الأرض، ومُدرِّسة اللغة العربية المُتديِّنة، وتعشيقها لفتاوى العقيدة مع درس التاء المربوطة والتاء المبسوطة، فضلاً عن ربطها بين معيشها اليومي وتفاصيل حياتها ضمن الصف الدراسي، وهناك شخصية السكرتيرة الثرثارة في عيادة طبيبة أسنان، والتي تلثغ بحرفي الراء واللام وتستبدلهما ياءً، وأستاذ الفيزياء الكونية الذي يربط نظريات آينشتاين ونيوتن بشخصه الكريم، وفي الوقت ذاته يعاني من فوبيا الأماكن المغلقة، وشخصية بائع الأجبان والألبان على البسطة، والذي يشعر باضطهاد المنافسين له في المهنة، وهو الدرويش الحالم بالسفر إلى ألمانيا، والذي يدعو الجميع لأن يحذو حذوه وترك الهموم والاستمتاع بالحياة.
وإضافة إلى تلك الأنماط المتنوعة، سعى الطلاب، بإشراف أستاذتهم «مريم علي» ومساعدتها «غريس الأحمر»، إلى تزيين شخصياتهم بأنماط مختلفة من اللهجات السورية المحببة لأهل السويداء وحمص ودير الزور إلى جانب اللهجة الشامية، فضلاً عن التلوينات في طريقة الأداء سلوكياً وحركياً، وبأزياء مناسبة لكل شخصية، وتشذيب المواقف المسرحية التي يعيشون ضمنها، بحيث تبدو أنها متوازنة قدر الإمكان، ومكتفية بذاتها، حيث بدت خروجات الطلاب ودخولاتهم سلسلة، ومن دون انقطاعات فجة بين كل لوحة وأخرى، حتى أن اجتماعهم في نهاية الامتحان، جاء تتويجاً لاشتغالات الطلاب السبع عشرة، والمقاربات الاجتماعية والثقافية للشخصيات التي ابتكروها بالاتكاء على الواقع، وجَوَّدوها عبر تمارين الخيال والتركيز والصوت، والاعتناء بالبناء الدرامي ككل، بما يحتويه أيضاً من غناء، أو موسيقى، أو أسلوب كلام، إلى جانب بضع قطع ديكور متقشفة، أو إضاءة مناسبة صممها كل من «نواف العطواني»، و«رامي حسين»، بحيث كُنّا، على اختلاف سويات أداء الطلاب، أمام سبع عشرة لوحة مسرحية، كل منها لها نكهتها وعنايتها بتفاصيلها الخاصة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار