بمقياس الكون؛ الأرضُ مجرّد نقطة صغيرة بحجم رأس الدبوس بين مجرّاتٍ لانهائية، وبمقياس الزمن نحنُ كائناتٌ فانية، مجرّد “لمعة فلاش” ومضتْ وانتهتْ ولم يبقَ منّا إلا مجموعة صورٍ للذكرى أو “نيغاتيف” يُظهِرُهُ الضوءُ إلى العالَم كما التُقِطت الصورةُ لحظتها وليس كما نتمنّى أو كما يقول منطِقُ اللزوميات بأن نتركَ أثراً طيّباً على هذا الكوكب ليس فقط كرمى “أمّنا الأرض” أو لحُسنِ سيرتنا وذِكرانا، بل كرمى أولادنا وأحفادنا.
لكن بمقياس ما هو كائن، هناك واقعٌ مؤلمٌ وجارف، لحظاتُ فقدانٍ لأحبّةٍ غادرونا بلمحة عين ولم نحاول أنْ نوجد وقتاً لننظر في أعينهم لنقول لهم كم نحبّهم وكم يضيف وجودُهم إلى حياتنا حياةً أكثر ألقاً ورضا. هناك خيباتٌ عامة وكوارث بيئية وحرائق، وشريطٌ إخباري تمرُّ أخبارُه مثل قطع الزجاج في الحلق أو مثلَ حصىً صغيرة في الحذاء تُنغِّصُ علينا أفراحاً صغيرة نخترعها (نكايةً) بـ”القالبين خِلقتهن منذ الصباح الباكرِ” وبالمتشائمين وصانعي الحروب والمنافقين والسماسرة وفاقدي الضمير.
يبقى أننا، مع بداية هذا العام الجديد وبمقياس الأمنيات، نتمنّى أن تكون القادمات من الأيام لائقة بنا كبشر.. نتمنّى أنْ يُهدينا المعنيون مشاريعَ وأعمالاً تليقُ بهم وبنا بعد هذا الصبر الخرافيّ الذي صبرناه في محنة السنوات العشر التي تبدو بلا نهاية، وأنْ يقلّلَ بعضُ المعنيين من التصريحات غير المدروسة، والظهور الإعلامي الفضفاض، ويتذكّروا أن للناس ذاكرة رهيبة لأنّ كلّ يوم بالنسبة لهم هو امتحانٌ يعيشونه بلحمهم ودمهم ودموع أطفالهم ولا يمكن أن ينسوا بمجرّد سماعهم لوعودٍ تنويميّة… ولأننا بمقياس النقد وما تبقّى من همّتنا وصبرنا سنكون لهم “بالمرصادي”!.