يقتربُ العام الجديد مِنّا سريعاً مثل أرنب الحكايات، فيما أنا أرتّبُ ليليَ نجمةً نجمة، وأرفو ثوبَ الوقتِ المُهلهلِ بخيطان الأمل. أنشغِلُ بتقمير الثواني مثل الكستناء في انتظار من أُحبّ، وأسقي الاستعاراتِ في أحواضها لأقطفَ في الربيعِ الخرافيِّ المقبل غاردينيا الخيالاتِ البيضاء.
وبينما أُبعِدُ غربانَ العام المنقضي وأنظّفُ الأماكنَ من فحم أجنحتها ورمادِ شؤمها ونعيبِ كوارثها؛ أرتّب أفكاري مثل زينة عيد الميلاد وأشكُّ خرزَ الأغاني في قلائدِ الوقت الحالي وأبتهجُ بنوتاتِ أمنياتي وأُدوزِنُها على أوتار التفاؤل وأعزِفُ فرِحاً .. ما جمّلته فيروز من شِعر سعيد عقل: “لاعبِ الريشةَ وإهوا واضْفُرِ العمرَ ورود، واهْوِني مَنْ ليسَ يهوى لم يزرْ هذا الوجود/ لكَ هذا الريحُ عودُ والغماماتُ وترْ/ ضِعْ تُبدّدكَ الجرودُ وليُجمِّعْكَ القمرْ”.
وأجمعُ أحلاماً نسيتموها على شرفات الانتظار مثل علاماتٍ موسيقية يابسة، وأنقعها في كأس الخيال السكريٍّ لأشربَ نخبَ الأصدقاء المُحبّين الطيبين اليائسين.
ثم أضعُ خيباتي في صندوق العِدّة وأُصلحُ العَطَبَ الذي أصابَ قلبي وأوشكَ أن يجعله قطعة خردة للبيع…
أفعل ما أفعله “لأصبحَ يوماً ما أريد”… فلا يزالُ أمامي شوارع لأمشيها، ومقاهٍ كثيرةٌ لأحتسي فيها شرابَ الذكريات التي سأصنعها على مهلي. لا يزال أمامي أغانٍ لم أغنّها، وخيباتٌ جديدة لم أَجْبر بخاطرها، ولهفاتٌ لم أكابدها، وعيونٌ لوزيّاتٌ لم أغازلها.
يقتربُ العامُ الجديد مِنّا وفي البال قطاراتٌ تصفرُ سنركبها حاملين قلوبنا وأدعيتنا وآمالنا وشاكرينَ موتاً طائشاً ضلّ الطريقَ إلينا من فرط الزحام وأجّلَ جنازاتِنا وبكاءَ أحبّتنا.