مُسارِعٌ وعَجُول

تفرز الملمّاتُ والخطوب التي تتعرض لها الأوطان نوعين متناقضين من أصناف الناس ، يعمل كلٌّ منهما بما يلائم طبعه، مؤكّدين صحة المثل الشهير:« كلُّ إناءٍ بما فيه ينضح» ولعلَّ ذلك من بعضِ « رُبَّ ضارّةٍ نافعة» .
فمنهم من يستعجل ويعجل لاغتنام واستثمار الوهن لكسب ما يمكن كسبه من السحت ،من دون أن يجهد نفسه في لحظة تفكّر يتأمل فيها هولَ ما أقدم عليه ، وسماجة ما اجترحه ، وهذا الصنف من البشر موجودٌ في كل بلد من البلدان وفي كل مجتمع من المجتمعات، وهو يؤكد بسلوكه هذا حقيقة معدنه فيعيد إيضاح رسم دواخله ليظهره على السطح غير مبالٍ بنظرات الاشمئزاز من صورة نمطيته الفظة التي أراد مختاراً أن يكرِّسها في عيون الناس ..
وثمة نوعٌ آخر مختلفٌ جميلٌ من الناس هو على النقيض تماماً للصنف الأول ، ترى من هم أهلاً للانتماء إليه ، يسارعون إلى الخيرات يمدون يد العون والغوث ، يبذلون الجهد مضاعفاً لا يقنطون من قتامة المشهد مهما كان كارثياً ، هؤلاء هم عشاق الفجر لا يرون في اشتداد الدجنّة إلا إيذاناً بسطوع الضوء، ويبقى هذا همهم ودأبهم وإيمانهم ، إنها مخرجاتُ دواخلهم الطيبة وحقيقة أورادهم العطرة ، فعند الشدائد تتجلّى معادن الأشخاص على طبيعتها، ويُعرف المتكلّف من الانسيابي، والطبيعي من المتصنّع، و النقيُّ الصادق من المرائي الكذوب، وكذلك الصالح المصلح، من الفاسد المفسد، إلّا من أراد من أبناء القيم الحقيقية – وتلك ميزةٌ أعلى وأسمى – أن يعملَ الخير ولا يظهره ..
ويبقى كرامُ النفوس في منأى عن الهون والهوان متحصّنين بالصبر ، فلذلك ترى واحدَهم رابطَ الجأش صعبَ الشكيمة، يغيظُ بعظمة احتسابهِ، شرارَ اللئام من محبّي الظلم والأذى والشامتين، يقول طلحةُ بنُ محمد :
إذا نالكَ الدّهرُ بالحادثاتِ
فكُنْ رابطَ الجأشِ صعبَ الشكيمةْ
ولاتُهِنِ النفسَ عندَ الخطوبِ
إذا كان عندكَ للنفسِ قيمةْ
فو اللهِ ما لقيَ الشامتون
بأصعبَ من صبرِ نفسٍ كريمةْ
والصبرُ صبران كما يقولُ أسيادُ أهل الحكمة : «صبرٌ على ما تحب ، وصبرٌ على ما تكره»، ولله في خلقه شؤون .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار