إضمحلال الغاية

مع كلّ يوم يتضح أن “وظيفة الشعر ” كمشروع ثقافي نهضوي بدأت بالاضمحلال، وهذا ليس ذنب الشعر كنسق فني كان مهيمناً على المشهد الثقافي عبر عصور موغلة في القدم وصولاً إلى الميناء الأخير للقرن العشرين، وإنما هناك شواطئ لبحار جديدة بدأت أمواجها تتاح أمام الجميع لحملهم إلى عوالم غاية في الادهاش، والمتعة، إضافة إلى الضروريات الحياتية، اليومية، القسرية التي تطالبهم الخوض بها ليكونوا مقبولين ضمن سكان القرن الحادي والعشرين..
– هل مات الشعر !!..
-لا ، مع تأكيد هذا النفي، كون الشعر لن يتخلى عن كونه الترجمة اللغوية لما يتراكم بداخلنا من أسرار، ورموز تمتلك في شيفرتها الوراثية بذرة الانعتاق بعيداً عن الشواطئ والموانئ والغواية التي تقدمها الأمواج للمسافرين الراغبين بالوصول إلى بر الأمان دون أدنى بوح أو ألق، لكن هذا النفي المطلق لن يستطع الوقوف بوجه تسونامي الرأي السابق، والذي تتيح المعارف المادية الحديثة البرهنة على صحته أينما وليت وجهك.. هذا النفي ونقيضه، بتشعب نباتاتهما البحرية، وقدرة رمزيّتهما على دمج المتناقضات بكيان واحد يستطيع من ضمن المتتاليات البحثية، النقدية المتفرقة عبر الزمن إبعاد تهمة الموت، أو تهمة فقدان الأهلية المعرفية، الريادية، النهضوية، الترفيهية عن الشعر، وإلصاقها بالإنسان المعاصر، وخاصة أن الشعر بطبيعته يمتلك حرية العيش والتعبير ضمن بوح غاية في التناقض والانسجام، بينما الإنسان قادر على التأقلم مع فعل التدجين المبرمج من قبل الغير، وإنتاج نهج كلامي يناسب مصلحته الشخصية في المعاصرة، وهذا ما يجعله رهينة لأي طارئ قد يبدل اسلوب حياته الفكرية، والمعرفية، والمادية، والروحية، ويبعده في الوقت ذاته عن الشعر، أو هكذا يظن اتقاءً للشر الذي يتربص به إذا ما فكر بالتحليق فوق المياه المالحة، بناء عل ما يطلبه الشعر منه..
– مع الاختلاف الزمني والثقافي الذي يفصل الشاعر الاسكتلندي،” ستيفنسون ” ، عن الشاعر الارجنتيني”بورخيس”، إلى أن الثاني يتفق مع الأول السابق له زمنياً ، على أن الطبيعة المزدوجة للشعر ، تقترب أكثر من الانسان العادي ، -رجل الشارع- كون الشعر يتألف من كلمات نستخدمها للأغراض اليومية العادية التافهة، والشاعر من يجعلها كلمات أدبية ساحرة تتجاوز فائدتها الغاية المباشرة..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار