دراما نظيفة

يُمْسكُ بيده جهاز التَّحكُّم ويُقلِّب القنوات بعصبية، لا يلبث أن يستقر على مسلسل، يُتابع بتمعُّن أقل من دقيقتين، وفي بعض الحالات أقل من دقيقة، ثم يقلب على عمل درامي آخر، ليُصبِح «الريموت كونترول» بين يديه أشبه بالمُسدَّس الذي يُصوِّبه على أسفل منتصف المُسلسل، مُطلِقاً سَخْطَهُ عليه.
تتدخَّل زوجته قائلةً: «والله هلكتنا، ما الذي تبحث عنه؟ أؤكد لك أنك لن تعثر على الإلياذة في التلفزيون وضمن الموسم الرمضاني تحديداً، كما أنك لن تحظى بمتابعة الأوديسة يا عزيزي، قُلْ لي بربِّكَ ما الذي تفتش عنه بالتحديد؟».
يجيبها وعلامات السأم واضحة على مُحيَّاه: «حبيبتي، بالتأكيد لن أسعى وراء الأوديسة والإلياذة في التلفزيون، إنما أبحث فقط عن «دراما نظيفة»، فهل هذا صعب إلى هذا الحد؟».. تعقُدُ حاجبيها وتتجمَّد كمن أصابتها طلقة في جبينها، فتنطق كلماتها وكأنها أمنيتها الأخيرة: «وما هي هذه الدراما النظيفة؟».
يأخذ الزوج نفساً عميقاً ويبدأ حديثه: «أتشهَّى مسلسلاً لا «يدحش» الكاتب أنفه في كل الشخصيات التي ابتكرها، بحيث تبدو سجينة أنفاسه المقيتة، بلا أدنى فسحة للحرية الذاتية، وكأنها ناطق رسمي باسمه الواحد الأوحد، مُعتبراً أنه يُقدِّم خدماته الجليلة للفن، في حين أن مقولات عمله لا تتعدى كونها مراهقة فكرية لا أكثر، وإذا حدث ووجدنا نصاً نفيساً، فإن المخرج يُغلِق عينيه، ويترك الجميع على هواهم، مُتجاهلاً الإيقاع، والتصاعد الدرامي، وضرورة ضبط سيرورة الفعل، وأيضاً المُعايرة الدقيقة لخطوط مشاعر الشخصيات، فضلاً عن الرؤية البصرية ومعانيها الدرامية، فليس المُهِم نظافة الصورة، وفخامة المَشَاهِدِ، وإبراز الجانب الجمالي لأماكن التصوير ومكامن البهاء في وجوه شخصياته، وإنما الأهم نظافة المعنى، وإزالة الشوائب من زوايا الكاميرا ولقطاتها وحركاتها، وصقل تعابير الوجوه، وإشباع كل ذلك بالدراما الصافية التي تخدم الهدف الأعلى للعمل، لا أن يكون كل شيء مُنفلِتاً على هواه، بحيث يتحول المونتاج مثلاً إلى تلصيق مشاهد، والممثل إلى مجرد مؤدٍّ وفني الإضاءة إلى كهربجي، والماكيير إلى كوافير أعراس، وهكذا».
نظر في عيني زوجته الحائرة بين أن تدمع أو تفقع، لولا أن باغتها بإعطائها جهاز التحكم، قائلاً: «سأصنع لك قهوة المساء».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
اتحاد الكتاب "فرع اللاذقية" يحيي مع مؤسسة أرض الشام ندوة عن المرأة السورية ندوة فكرية ثقافية عن "النقد والنقد الإعلامي" في ثقافي أبو رمانة السفير الضحاك: سياسات الغرب العدائية أضرت بقدرة الأمم المتحدة على تنفيذ مشاريع التعافي المبكر ودعم الشعب السوري مؤتمر جمعية عمومية القدم لم يأتِ بجديد بغياب مندوبي الأندية... والتصويت على لا شيء! الرئيس الأسد يؤكد خلال لقائه خاجي عمق العلاقات بين سورية وإيران وزير الداخلية أمام مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة المخدرات: سورية تضطلع بدور فعال في مكافحة المخدرات ومنفتحة للتعاون مع الجميع الرئيس الأسد يؤكد لوفد اتحاد المهندسين العرب على الدور الاجتماعي والتنموي للمنظمات والاتحادات العربية عقب لقائه الوزير المقداد.. أصغير خاجي: طهران تدعم مسار الحوار السياسي بين سورية وتركيا العلاقات السورية- الروسية تزدهر في عامها الـ٨٠ رئاسيات أميركا ومعيارا الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.. ترامب أكثر اطمئناناً بانتظار البديل الديمقراطي «الضعيف».. وهاريس الأوفر حظاً لكن المفاجآت تبقى قائمة