قال الراوي!

تقول الحكاية: إن الفقر، في الأساس، كان غنياً، لديه حساب في البنك، ويعمل في وظيفة محترمة يكفيه راتبها حتى آخر الشهر، كما أنه لم يكن يعاني في تخصيص جزء من مدخراته لشراء الهدايا والألبسة والقيام بالنزهات إلى الربوة والغوطة والذهاب كل صيف إلى البحر.. الفقر كان يعيش باطمئنان وراحة بال لا تؤرقه نوائب الدهر، فهو يملك ضماناً صحياً، ويمكنه أن يسحب قرضاً إذا ما اضطرته المفاجآت إلى ذلك، كما يمكنه العمل في دوام إضافي ليزيد من قدرته الشرائية ويعيش البحبوحة والرفاهية بأجمل صورها.. فالفقر كان مقتنعاً بأن الحياة بسيطة وسهلة ولا يمكن أن تعاش إلا مرة واحدة، لذلك كان يعمل بقاعدة تقول إن القناعة كنز لا يفنى، ولهذا كان يعيش الحياة بالطول والعرض، فهو يمد رجليه على قدّ البساط أحياناً، ومرات أخرى تكبر أحلامه فيفكر بشراء بساط أكبر كي يتفرفد ويرتاح، لأنه يعرف تماماً أن المرء لن يأخذ معه شيئاً!.
هكذا عاش الفقر بثبات ونبات، وفكّر أن يخلف صبياناً وبنات يحملون اسمه ويخففون عنه هموم الدنيا.. فتزوج واستقر وأحس أن طاقة السعد بدأت تفتح له، فكبرت أحلامه أكثر، وفكر أن يرتاح من ضغط العمل، فاستعان بموظفين يسيرون شؤونه في المعاملات والذهاب إلى السوق ودفع الأقساط، كما تولت زوجته تدبير المنزل وتوزيع الميزانية على تجديد الفرش والمعيشة والتخطيط للمشاريع الجديدة التي يمكن أن تزيد الدخل.. هكذا وضع رجليه في مياه باردة لأنه تصور أن الأمور تمشي كما خطط لها تماماً.. فتفرغ لحياته الشخصية وهواياته التي أجلها طويلاً، وشعر أن الدنيا بدأت تضحك له!.
.. استيقظ الفقر يوماً فوجد نفسه على الحديدة، فباع المنزل كي يوفي المستحقات، وسكن بالأجرة كي يهرب من الدائنين، واستلف قرضاً كي يدفع الأقساط.. من يومها دخل الفقر في حياة التعتير، وكتب عليه أن يشهق ولا يلحق.. عرفتوا كيف؟.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار