كلمة ثمنها ملايين!

لم أكن على دراية أن سقف مطالب مواطنينا ارتفع ليصل إلى إحداث معهد عالٍ للفنون السينمائية، يكلِّف «هديك الحسبة»، فعلى حد معرفتي المتواضعة بميول المواطن، أن تخفيض الأسعار وتأمين متطلبات المعيشة هما أهم ما يتصدر اهتماماته، أضف إلى ذلك هواية الانتظار في الطوابير ساعات، وتناول الطعام، والنوم، وكنت لأقول مشاهدة ما لا يقل عن 10 حلقات من مسلسلات تركية وهندية متنوعة يومياً، ولكنه تخلى عن هذه الهواية مجبراً بسبب انقطاع الكهرباء.
إن ميول مواطننا أصبحت سينمائية، وليس مستبعداً أن تتحول إلى اهتمام «بالثروة الحيوانية» وتتوسع مطالبه لإحداث «معهد عالٍ لتربية الأبقار والماعز والأغنام» وآخر «لمكافحة الصراصير والبق»، إذ لم يعد يعنيه أمر تحسين الخدمات وضبط الأسعار، وأصبح راضياً عن انخفاض الدخل، ونسي الحفر والمطبات التي تزين شوارع العاصمة، بل أصبح مهووساً برؤية مكبات القمامة هنا وهناك، ومعجباً بسيول المياه التي تملأ الطرقات في كل مرة تمطر فيها السماء.
يبدو أن مواطنينا الذين عانوا قسوة هذه الحرب، نسوا إعادة إعمار ما خربه الإرهاب، وفاتهم كم ستكلِّف فاتورة عودتهم إلى مدنهم ومناطقهم التي هُجِّروا منها، وأصبحوا يفكرون بأشياء ليست في زمانها ومكانها الصحيحين، بل «ركبوا أدمغتهم» السميكة، وما أصعبهم عندما «يتنحون» ويطالبون بما يفوق طاقة المعنيين بشؤونهم المعيشية.
في الأمس القريب أصدرت رئاسة مجلس الوزراء قراراً بتخفيض مخصصات الجهات الحكومية من المحروقات بنسبة 50%، وقبلها طالبت بتخفيض اعتمادات النفقات الإدارية بنسبة 25%، وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً نجد أن الترشيد طال ملف الضيافة في الجهات العامة واقتصر على كأس شاي أو زهورات، بدلاً من القهوة التي تُكلف سنوياً عشرات الملايين، وكل هذه القرارات لم يقرأها المواطن ولم يفهم المقصد منها، ولم يعلم أن المبالغ التي سيتم توفيرها من البنود المذكورة ستُدفع ثمناً لغذائه ودوائه.
أحد المواطنين المغرمين بالأفلام السينمائية ولا يُفوِّت فيلماً جديداً، حتى وإن اضطر إلى صرف ما في جيبه من أجل حضور آخر إصدارات السينما، ولكنه عاقل بعض الشيء، تساءل: بما أنه يوجد لدينا معهد عالٍ للفنون المسرحية، لماذا لا نعيد تسميته، ليصبح «المعهد العالي للفنون المسرحية والسينمائية» وهكذا نوفر مئات الملايين بكلمة واحدة؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار