معارك منضبطة للتغيير

يكشف المشهد الدولي عن صراع على إدارة العالم، بين قوى عظمى وصاعدة، ‏ورغم ذلك يبدو أن ‏لا أحد من الأطراف يريد الانخراط بالصراع بشكل مباشر، أو يكون ‏مستعداً لدفع تكاليف أي مواجهة ‏كبرى.‏
هذه مرحلة لتحقيق أهداف تكتيكية للقوى العظمى، التي تدير وتتحكم بشدة المعارك ‏من خلف ‏الستار، وليست مرحلة تحقيق الاستراتيجيات الكبرى، ذات التكلفة الباهظة، ‏ويبدو أن بعض الدول ‏التي تشعل فتيل المعارك اكتشفت أنها غير مستعدة لدفع ‏التكلفة في هذه المرحلة، أو أن ظروفها ‏لم تتبلور بشكل كامل ولا تناسب حسابات تلك ‏الدول، أو أن هناك بعض الحكمة العالمية التي ‏تؤجل الدخول في الجحيم.‏
ساحات مشتعلة، لكن حتى الآن يبدو أنها تحت السيطرة، فلا أحد من الأطراف المتحكمة بإدارة ‏الصراع يريد الذهاب إلى «يوم القيامة»، إلا رئيس «حكومة» الكيان الإسرائيلي ‏بنيامين ‏نتنياهو، الذي يسعى لجر الولايات المتحدة الأميركية إلى حرب كبرى في ‏المنطقة، تلبية لرغبات ‏شخصية تخصه من جهة، ومن جهة أخرى رغبة احتلالية توسعية تلمودية يحلم ‏بها كيانه، بينما أميركا ‏مشغولة بصراعها الداخلي لتعيين رأس لإدارتها.‏
المشهد في الإقليم مكمل للحالة الدولية، والمنطقة أمام منعطفات مهمة، تقف على صمود ‏المقاومة ‏في فلسطين ولبنان، وبقدر هذا الصمود ستُرسم معالم المنطقة، وتثبت أو ‏تتغير خرائط الصراعات ‏والشراكات، لأن من يقف خلف الباب كثر، بعضهم ينتظر ‏دوره للمشاركة في التغيير، وبعضهم ‏الآخر يترقب الفرصة ليقرر الشراكة أو العداء ‏مع دول المنطقة، وهو في الحالتين يمارس ‏تجارته السياسية بين الألغام، وهذه حال ‏التركي هذه الأيام.‏
في كل الساحات الملتهبة، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط إلى بحر الصين الجنوبي، ‏تتواجه كل ‏الأطراف الدولية بشكل مباشر واضح أو بشكل غير مباشر، ولكن يمكن ‏اقتفاء وجود أثر له – إن ‏كان بالتقنيات أو بالدعم الاقتصادي أو حتى بالعسكر أو حتى ‏بغموض النهج الدبلوماسي الذي ‏يتبعه في محاكاته السياسية للقضايا من على المنابر – ‏فالساحات الملتهبة تغري المزيد من القوى ‏للوجود‎ ‌‏ بالقرب منها، والمشاركة في تغيير ‏المشهد ومكان في النظام الدولي.‏
لا يعني ذلك أن المواجهات الكبرى بعيدة، فهي خلف الأبواب كل لحظة، وتقف عند ‏حدث مقصود ‏أو غير مقصود، يقلب المشهد رأساً على عقب، فمن يريد الحرب ‏سيفعل كل شيء لتحقيق مبتغاه، ‏فالمجانين ليسوا بحاجة إلى مسوغات.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار