“رعب” تحت الطلب
لم تنضج الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط، بما يتيح وضعها على طاولات التفاوض بعد.. بل قد تكون الترتيبات التي يجريها العقل السياسي بطبيعته البراغماتية المفرطة – خصوصاً في أميركا والغرب الأوروبي- قد تبعثرت وعادت إلى مربع ابتدائي جراء القفزة غير المحسوبة في الهواء، والخروقات الحمقاء التي تجرأ وافتعلها الصهيوني على الساحة اللبنانية، وفي العمق السوري أيضاً.
تطورات دراماتيكية أعادت معادلة “توازن الرعب” مع الكيان المسعور لتفرض نفسها عنوةً، من دون أن تقبل أيَّ شكل من أشكال الاختلال حتى ولو بطابع دبلوماسي.. لأن ارتجاف الكفة العادلة في ميزان القوى سيكون كارثيَ النتائج، وقد تابع العالم فصلاً مريعاً في الأيام القليلة الماضية، من نتائج ما يمكن تسميته “وهم الفراغ” الذي حاول العدوُّ الصهيوني استثماره استفراداً و انعتاقاً خاطفاً من مخاوف وقيود طالما أرهقه وأرّقه الإقليمي منها، وأحرجه الدولي بزعم التزامه التنسيق مع حلفاء حائرين ومترددين في أوروبا وأميركا.
ولعلّ خلاصة ما استنتجه العالم، بين معنيٍّ مباشر.. ومترقّبٍ باهتمام .. ومراقبٍ لحسم مواقفه، أنَّ الصهيوني أفسد طبخةً دوليةً عملاقة، وخلط أوراقاً كثيرة ليست في صالح حلفائه قبل أعدائه، وقد يكون علينا أن نتابعَ كمَّ الإحراج الكبير الذي أوقع فيه كلَّ الذين حاولوا المراءاة و شرعنوا “شيزوفرينيا الموقف” والتزموا التعريف الكلاسيكي للسياسة بأنها “فن الممكن” وحسب.
كم هو نافر أن يكون توازن الرعب، مصطلح الواجهة الذي عاد بقوّة ليحكمَ علاقات عالم اليوم، وضابط إيقاع البقاء في ساحة صراع تتسع أطرافها لتغلف خريطة العالم، توازن أخطر ما في خصائصه الجديدة أنه لا بدّ منه، وأنه لا يعترف بحدود المكان وإحداثيات جغرافيا الحدث.. فردات وترددات الفعل قد تكون نائية بعيداً أبعد من المتوقّع، ليظهر الرد على ضرب ضاحية جنوب بيروت من العراق، وعلى ضرب هدف في الداخل السوري من اليمن أو إيران، أو يظهر في أوكرانيا ردّ على ضرب قاعدة أميركية في سورية.. هو ترتيب جديد لميزان القوى الوليد من واقع الصراع المحتدم الذي أوقدته “إسرائيل” وأميركا في بؤر متعددة ومتباعدة كثيراً..
والمريب أنه لم يعد في غرفة التحكم الأميركية صاحب قرار معلن، في ظل الحالة “الرجراجة” الراهنة، والقوى التي تستثمر حالة الفراغ المزعومة هناك، وتمتطي أكذوبة خرف وهذيانات رئيس ليس برئيس.. بالتالي لا يوجد من يتبنّى تلقي الرسائل مهما كانت بليغة، ليكون الاحتكام إلى القوة في المحصلة، وامتلاك أدوات الرعب دفاعاً أو هجوماً.
ولعلّ أهم وأقوى الأدوات في أيدي كافة القوى التي تواجه المخطط الحالم حتى الجنون للعدو، هي خصلة وهم النفاذ والسطوة التي تستحوذ على عقول قادته.. بدليل أنهم شرعوا بخيار الهجوم البري على جنوب لبنان، وهو الخيار ذاته الذي أغرقهم في أوحال غزّة، وذاته الذي جربوه وأذلّهم في حرب العام 2006..
على كل حال.. مازالت الحرب في بداياتها، وهناك الكثيرون ممن لم يقولوا كلمتهم بعد فعلاً لا مجرد قولاً.. والقادمات من الأيام قد تحمل مفاجآت على مستوى تغيّر قواعد اللعبة.. ومن يدري فقد يقرر الأميركي أن يصحو من نوبات الزهايمر.