ثورة على “دوائر الشيطان”
بدأت رحلة كسر القوالب البائدة في العمل المؤسساتي والتنفيذي، أو هكذا يفترض.. بل و يجب، لأننا أمام خريطة طريق خلّاقة رسمها الرئيس الأسد في كلمته التوجيهية للفريق الحكومي الجديد، وقبلاً أمام مجلس الشعب، وأمام الاجتماع الموسّع للجنة المركزية لحزب البعث، وقبل ذلك بفترة أطول أمام المجالس المحلية المنتخبة.. والقاسم المشترك كان بلورة احترافية لخريطة أفق قوامها تجديد السياسات وشحذ الذهنيات والأدوات، وإعادة توليف بيئة العمل العام بكل حيثياتها وتفاصيلها.
من هنا تبدو سورية اليوم أمام استحقاق ليس بالسهل على الإطلاق، لو أردنا اختصاره بكلمات قليلة مفيدة لقلنا: ثورة حقيقية على “دوائر الشيطان” المرتسمة في الأذهان وطالما أحكمت الطوق على كافة نيّات الاختراق، لأن الثابت لا يمكن أن يلحق بالمتحرك، ولاسيما حين يكون الثبات مَرَضياً لا مبدئياً..لكننا أمسينا على بوّابة عزم على الخروج نحو آفاق جديدة لازمة.. ولو بدت قصيّة وعصيّة على كل من حاول إدراكها.
بالفعل ليس أنسب من “دوائر الشيطان” كنعتٍ دقيق لمنظومة التشريعات المزمنة و المرتكسة، بما أورثتنا إياه من تقاليد أداء و أدبيات استثنائية باختلالها وارتباكها أمام استحقاقات ملحة تتبدّل وتلح أكثر يوماً بعد يوم.
الحرب ليست ذريعة..لأن تقاليد العمل وبيئته بكل مكوناتها مرتكسة منذ ما قبل الحرب على سورية، ولعلّ ذلك هو ما أخّر وأربك مساعي نفض غبار الأزمة ومعاودة الانطلاق مجدداً، لذا علينا التقاط بدايات مسارات تفضي إلى مآلات تتطلّب ذهنيات جديدة في الحكومة ومجلس الشعب، قادرة على انتزاع الأوهام وطردها والخروج من “دوائر الشيطان”، إلى مساحات واسعة من المسؤولية بعيداً عن بريق الامتياز، وهذا يحتاج إلى إرادة وعزيمة وجرأة، والأهم توازن وقوام معنوي شبه مثالي.
المهمة ليست يسيرة على الإطلاق، لكنها ليست صعبة أيضاً..فإن كان التكليف حكومياً.. فإن الإسناد والمؤازرة والضبط ستكون شعبية عبر المؤسسة التشريعية، ثم المجالس المحلية التي هي بالفعل “حكومة الناس”.
ولا مجال للهروب من العمل والاختباء وراء القوانين بعبارة “القانون لا يسمح”..فلا بارك الله بقانون لا يسمح بالعمل والتجديد والابتكار والقرار السليم والصائب لمصلحة البلاد والعباد..والإبقاء على مثل قوانين كهذه وعدم محاولة تغييرها هو ارتكاب بحد ذاته..
لا يجوز أن نبقى واجمين مشدوهين أمام الكثير من القوانين البالية وتقاليد العمل التنفيذي التي نتوجس من مخالفتها أو حتى التفكير بتعديلها، فأمست أصناماً تتولى حراسة الخطأ لا الصواب، وتحفّز على الانكفاء بدلاً من المبادرة، لأن المخالفة تستوجب المساءلة.. ولنتخيّل كم هو قاسٍ أن تكون المبادرةُ مخالفة والإجراءُ الصائب خطأً لمجرد أنه يخالف قانوناً خاطئاً بالياً بائداً بقي لصيانة مصالح ضيقة لا عامة.
هامش: يُحكى أنّ رجلاً ابتلي بوهم..وظن نفسه حبة قمح، يولول ويهرب من أي دجاجة يصادفها..عجز الأطباء عن علاجه بعد أن استحكم به المرض ولاذ بالصمت..لكنه تكلم أخيراً واعترف لأحد أصدقائه، وأقسم بأنه يعلم جيداً أنه ليس حبة قمح ..لكنه تساءل كيف سنقنع الدجاجة بذلك ؟