قبلَ السؤالِ عن الحكومةِ المنتظرةِ
عندما تُدار حلقاتُ البحثِ عن تجلياتِ دولةِ المؤسسات، تذهبُ الأنظارُ – أول ما تذهب – إلى مجلس الشعب أو البرلمان، دونَ جدلٍ حول التسمية، فهو العلامة الفارقة ذات الدلالةِ والعمقِ الذي يستحق وصف “استراتيجي” في تنظيم إيقاع بناء الدولة – أيّ دولة.
و لسوريةَ سجلها المشرّفُ فعلاً، وهي صاحبةُ الترتيبِ المتقدمِ على المستوى العربيّ في توطينِ مثلِ هذه المؤسسة “أمّ المؤسسات”، وهي بالفعل حقيقةٌ يحقُّ لأي مواطنٍ سوريّ أن يفاخرَ بها.
منذُ فترةٍ وجيزةٍ بلور الشعب في الجمهورية العربية السورية مؤسسته التشريعية، المؤسسة الأولى صاحبة الريادة والمسؤولية في توليفة ديناميكية الحراك العام، وكم هي بالغة الحساسية ومؤثرة هذه المسؤولية، وهذا ليس إطناباً ولا جرعةَ دفقِ وجدانيّ، بل إملاءٌ دستوريٌ واضحٌ وصريحٌ.
بحجم المسؤولية يكون دوماً حجم التعويل، مسؤوليةٌ و تعويلٌ يستحقان كلّ الدقة والتأني في صياغة ميثاق عملٍ جديدٍ لهذه المؤسسة، مرنٍ ورشيقٍ يتيح المواكبة الفاعلة لاستحقاقاتٍ كثيرةٍ تترادف في هذه البلاد، بعضها استدراكاً لما فات في ردحٍ من الزمن تحت وطأة الحرب والحصار، وبعضها الآخر من وحي تسارع المتغيرات في هذا العالم، وكلا الحالتين هما تحدٍ لا يقبل الاسترخاء، ليس في مؤسسة بل في الأسرة الواحدة والفرد أيضاً.
و ندرك جميعاً أن إعادة بناء النظام الداخلي لمجلس الشعب، باتت حتميةً تفرضها ديناميكية العمل المفترضة أمام رؤى إعادة بناء البنى عموماً في بلدنا.. وقد كانت الإشاراتُ واضحةً في هذا الصّدد والتي أطلقها السّيد الرئيس بشار الأسد في خطابه أمام المجلس.
ولعل انطلاقة المجلسِ الجديدِ في عمله الفاعل، مرتبطةٌ ببلورة نظامه الداخلي، قبل أن تنطلق الحكومة المنتظرة في عملها، لأنه من المفترض أن تقدم بيانها لمجلسٍ معززٍ برؤية وإحداثيات أداء وخارطة عمل، هي ما سيحدد العلاقة مع الحكومة بأبعادها كلها.. رقابةٌ و تصويبٌ ومحاسبةٌ..
لذا تبدو الصيغة التي سيخرج بها نظام عمل المجلس، هي الحلقة الأولى المطلوب بلورتها والسؤال عنها، حتى قبل أن نسأل عن موعد إعلان التشكيلة الحكومية الجديدة.
وهذه الصيغة “النظام الداخلي” تستحق بأهميتها أن تستنفر المؤسسة التشريعية كافة أعضائها، مع خبراءَ مخضرمينَ مشهودٍ لهم، للمساعدة في تعزيز “دستور العمل”، بما أن المنطلق الصحيح سيفضي إلى نتائجَ طيبةٍ وليس العكس.
إذا فلينشغل الخبراءُ والأكاديميون – لاسيما خبراء القانون الدستوري والإداري – بتقديم رؤاهم في هذا الاتجاه، بل وكل خبراء الاقتصاد والتنمية، أكثر من الانشغال بترقب أخبار الحكومة العتيدة، وهو ترقبٌ يدور في فلك الفضول وأحياناً الطموح، وفي كل الأحوال لا تخلو الهواجسُ من المشروعية، لكن هاجس المؤسسةِ التشريعيةِ هو الأهمُّ بكلّ تأكيد.