القطّة وعبرة اللقطة
بينما كنت جالساً في أرض الدار ليلاً، لعلّي أحظى بنسمة هواء تساعدني على التقاط أنفاسي وسط الجو اللاهب الذي يمرّ بنا، بدأت تحتكّ بساقيَّ قطة صغيرة، كان قد أدخلها كلٌّ من ابني وابنتي، وهما فرحان بها، يطعمانها مما تيسّر ويلعبان معها.
في البداية لم أعرها أي انتباه، إذ كنت منشغلاً بكتابة مادة إعلامية، وحاولت إبعادها أكثر من مرة، لكنها أبت أن تبرح المكان، بل حاولت ولمرات عدة أن تشدّ انتباهي، ثم قفزت لأعلى الطاولة من أمامي وتسلّلت إلى حجري، وكأنها تنشد عطفاً وحنيّة، عندها تركت ما بيدي وبدأت ألاعبها.
لم أتوقع ما بدا منها بعد أن أنزلتها للأرض، حيث أخذت، كما لو أنها في سيرك، تقفز بخفّة ورشاقة على حواف أحواض “الزريعة”، وتلتقط بعض الأغصان والأوراق اليابسة المتساقطة، وترمي بها يمنة ويسرة وللأعلى، وتسلتقي تارة على جنبها وأخرى على ظهرها بحركات بهلوانية شيقة، وفي الأثناء لم تفتني فرصة أن ألتقط لتلك القطة أحلى لقطة ولقطة.
بعد سلسلة ما حدث، أيقنت أنّ قليلاً من الحنيّة كفيل بجعل قطة صغيرة تشعر بالجميل والعرفان، وأن ترده بحركات فنية منعشة تنسي المرء هموم الدنيا، إنه الرفق بالحيوان، هذه الحالة التي ينبغي أن تتعزّز لدينا جميعاً.
أعاد المشهد إلى ذاكرتي ما يفعله أحد الأطباء البيطريين في مدينة درعا، حيث يجري بين الحين والآخر عمليات جراحية نوعية مجانية لطيور برية أو قطط شاردة مصابة بأمراض أو حوادث، وما يسرّ أكثر أن أدرجته مؤسسة البرماوي التعليمية ضمن قائمة مكرّمي إحدى فعاليتها لقاء عمله الإنساني هذا الذي يكاد يكون فريداً من نوعه في مجتمعنا.
على خط العبرة، يتبادر إلى الأذهان ما خلّفته الحرب الظالمة على بلادنا من قسوة القلوب لدى بعضنا، وانعكاسها بتصرفات سلبية غير لائقة وحتى مؤذية تجاه الآخرين، ومنهم مقربون، والأمل أن نتوقف بهدوء مع أنفسنا ونوقظ فيها قيم التسامح والإحسان والإيثار والتعاون، لعلها تهوّن علينا من وطأة هموم الحياة ومتاعبها الجمّة.