الزمن لا يوصد العطاء
بذل كل ما بوسعه ولعب كل الأوراق التي بيديه حتى تمكن من نيل الاستقالة، ولم يكترث لميزة الموقع الذي يشغله أو السيارة التي يركبها في مديريته، همه كان الخلاص قبل أن يبلغ الخمسين من عمره.. هذا الموظف الذي يحمل إجازة في الحقوق كحال كثر من أقرانه كانوا سبقوه، يبتغي اللحاق بركب مهنة المحاماة التي تشترط دخول مرحلة التمرين لها والتي تمتد لعامين قبل الأستذة، أن يكون عمر الشخص ما دون الخمسين سنة.
وبالنظر إلى المنفعة، فهي بالطبع لا تقارن مع الوظيفة، إذ إن دخل المحامي قد يعادل عن دعوى واحدة راتب سنة، والمهم أكثر ألا سقف زمنياً لعمر المحامي يحد من استمرار عمله في المهنة ولو فاق الستين إلا برغبته.
حال المهندسين في نقابتهم على المنوال نفسه ولو بتسهيلات أكثر، إذ يمكن الانخراط بالأعمال المنوطة بها بأي عمر في حال كان الشخص غير موظف، حتى بعد التقاعد من الوظيفة يتجه المهندس فوراً لنقابته، ويتقاضى أتعاباً وفق نظام الشرائح لقاء أعمال المخططات والدراسات والتدقيق والاستشارات المنجزة، والتي تتفاوت قيمتها حسب نشاط الحركة العمرانية لمختلف الأغراض.
كذلك من ميزة مهنتي الهندسة الزراعية والصيدلة في القطاع الخاص، أن عمل الشخص غير مسقوف زمنياً ولا ينتهي إلا بالرغبة الذاتية أو بالوفاة، أما مهنة الطب فعلى رأسها طربوش، إذ إن الطبيب يمكن أن يكون في الوقت نفسه موظفاً ولديه عيادته الخاصة ويعمل في مشافي خاصة، وكثيراً ما طرح نظام التفرغ الطبي لكنه بقي معلقاً ولم يطبق، وما زاد من إبعاد النظر فيه هو ضغط الحاجة للأطباء ضمن الظروف الراهنة.
ما نرغب الوصول إليه أن عطاء الإنسان ليس مقيداً بعمر معين، فمهن كالمحاماة والهندسة بمختلف اختصاصاتها ليست بالبسيطة أو الهينة بل على قدر عالٍ من الأهمية والمسؤولية والنوعية، وجل الناجحين فيها تجدهم من كبار السن الذين راكموا الخبرات مع طول الزمن.
وبالقياس فإن الكثيرين من العاملين في الدولة بمثل تلك الاختصاصات أو غيرها ممن بلغوا سن التقاعد، لديهم الكفاءة والخبرة والقدرة على استمرار العطاء، فلماذا يتم الاستغناء عنهم ولا يمدد أو يرفع سن التقاعد لمن يرغب منهم؟ وخاصة في ظل العوز الشديد للعاملين في معظم الجهات، علماً أنه -وكما أسلفنا في مرات سابقة- لا يترتب على الحكومة عبء مالي كبير لقاء ذلك.