تصورات «اليوم التالي».. الكيان يُقسم غزة إلى إقليمين.. تآكل «الردع الإسرائيلي» وإفلاس الشمال هل يُقربان المنطقة من الحرب أكثر؟
تشرين- هبا علي أحمد:
أشعلت نيران الشمال القادمة من جبهة جنوب لبنان المُسانِدة والمناصرة لغزة، نار السجالات في الداخل الإسرائيلي التي لم تتوقف منذ ما بعد السابع من تشرين الأول الماضي، كاشفة عن حجم التفكك والانقسامات التي تعتري كيان الاحتلال، ومُقرّة في الوقت عينه باحتراق «قوة الردع الاستراتيجي» لكيان الاحتلال الذي وصل إلى أفق مسدود، لا «انتصار» ولا تحقيق قوة ولا إعادة الرهائن لدى المقاومة الفلسطينية ولا «القضاء» على «حماس»، وصفر المكاسب هذا يقابله توسع جبهات القتال وتصعيدها ولا سيما جبهة شمال فلسطينجبهة شمال فلسطين المحتلة التي باتت تحتل الحدث الأبرز إقليمياً ودولياً وهي بالذات ما دفع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى تقديم مقترح –الجمعة الماضية- لإيقاف الحرب في غزة، بينما الغرض الأساس إيقاف الحرب بجانبيها العسكري والنفسي على وجه التحديد، التي تقودها المقاومة اللبنانية –حزب الله- ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي، ناهيك بأن المقترح متعثر في الأساس.
رسائل دبلوماسية وصلت إلى بيروت في الأيام الماضية تتضمن تهديداً بضربة إسرائيلية وشيكة
«ضربة إسرائيلية محتملة»
تآكل قوة «الردع» الإسرائيلي أمام العالم أجمع دفع الكيان إلى العودة إلى تهديدات متكررة حول شن ضربة محتملة ضد لبنان، إذ أفادت وسائل إعلام لبنانية، اليوم الثلاثاء، بأن رسائل دبلوماسية وصلت إلى بيروت في الأيام الماضية، تتضمن تهديداً بضربة إسرائيلية وشيكة، وقالت مصادر بارزة لصحيفة «التيار» اللبنانية: إنّ أغلب الموفدين الدوليين نقلوا تخوّفهم من جديّة التهديد الإسرائيلي، لكن أبرز الرسائل أتت من الجانب البريطاني الذي حدّد موعداً للضربة الإسرائيلية منتصف حزيران الجاري، مع نصائح بضرورة القيام بإجراءات التموين اللازمة للحرب التي لن يكون معروفاً مدى رقعة توسّعها ولا مدتها الزمنية.. ولاشك بأنّ كيان الاحتلال يعمّد إلى مغامرات تسري تداعياتها الخطرة على الجميع، إذ إن هذه المعلومات تزيد من احتمالية اندلاع حرب في المنطقة مرتقبة في الأساس، فمنذ بداية العدوان على غزة وما رافقه من ارتفاع حدّة التصعيد قرّب المنطقة من حافة الحرب أو وضعها عملياً في سياق حرب لم يبقَ سوى الإعلان الرسمي عنها عبر خطوة تُشعل شرارتها، فهل تكون التهديدات الإسرائيليةالتهديدات الإسرائيلية الآنفة الذكر وتنفيذها الشرارة التي تشعل هذه الحرب المرتقبة؟.. كل السيناريوهات واردة والخسائر التي مُنيّ بها كيان الاحتلال تدفعه إلى أي فعل، رغم أنّ طعم الهزيمة التي تلقاها الكيان على يد المقاومة لبنانية في تموز 2006 وقبلها انتصار جنوب لبنان 2000 لم يُنسَ بعد ومازال يُتداول في الإعلام الإسرائيلي ولا سيما راهناً.
العدوان على غزة قرّب المنطقة من حافة الحرب ووضعها عملياً في سياق حرب لم يبقَ سوى الإعلان الرسمي عنها عبر خطوة تُشعل شرارتها
الكيان بين الرسمي والإعلامي
وفيما ينشغل المستوى الرسمي في كيان الاحتلال بالتهديدات والترويج لمزاعم تنشغل وسائل إعلامه بالحديث عن الخسائر التي تسببت بها صواريخ حزب الله في مستوطنات الشمال والحرائق التي طالتها مترافقة مع حديث الهزيمة وقدرات السيّد حسن نصر الله، إذ كشفت وسائل إعلام العدو عن حجم الخسائر التي تسببت بها الحرائق من جرّاء صواريخ أطلقت من لبنان باتجاه مستوطنات شمال فلسطين المحتلة، وقدّرت أنّ إعادة تأهيل جزء من الأراضي المحتلة التي احترقت بالكامل في الحريق الذي وصفته بـ«الكبير» ستستغرق سنوات.
من جانبه، صرّح وزير «الأمن القومي الداخلي» في حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير، بأنّ ما يحدث الآن في الشمال هو إفلاس، مهاجماً «كابينت الحرب» الذي وصفه بإدارة فاشلة لكابينت الاختلاط، في إشارة إلى تشارك اليمين والمعارضة في مجلس واحد، داعياً إلى التصعيد على جبهة لبنان.
وفي وقتٍ سابق أشارت وسائل إعلام الاحتلال إلى وجود صدع كبير جداً بين القادة والمسؤولين في جبهة الشمال ورؤساء المستوطنات.
لا يمكن الاستخفاف بالسيّد نصر الله الذي زرع الإحباط لدى الجمهور الإسرائيلي ولا يزال العدوّ الأخطر لـ«إسرائيل» ويملك ضدها ملفاً مفتوحاً
ونشرت صحيفة «إسرائيل هيوم» تقريراً مُطوّلاً توقّفت فيه عند قدرات السيِّد نصر الله وإنجازاته منذ توّليه منصب الأمين العام لحزب الله، بعد قيام «إسرائيل» باغتيال الشهيد عبّاس الموسوي، قائلة: «نصر الله بدأ قيادة حزب الله وقد ركّز على محاربة الجيش الإسرائيليّ في «الحزام الأمني» وإطلاق صواريخ نحو الجليل، وزرع الإحباط لدى الجمهور الإسرائيليّ وردع الجيش عن القيام بعمليات، مضيفة: لا يمكن الاستخفاف بالسيّد نصر الله، هو شخص جديّ، أثبت نفسه على مرّ السنين أنّه الخبير الأكبر في شؤون «إسرائيل» في الوطن العربي، وهو لا يزال العدوّ الأخطر لـ«إسرائيل»، هو يعرفنا أكثر من الجميع، وهو يملك ضدنا ملفًاً مفتوحاً».
تقسيم غزة
التجهيزات التي يقوم بها الكيان حول مستقبل الحكم في غزة والتي تدخل ضمن تصورات «اليوم التالي» تنسف أيّ احتمالية حول التوصل إلى صيغٍ توافقية عبر المفاوضات، وتشير إلى أنّ الكيان يستغل عامل الوقت عبر المماطلة والتسويف، وبالتالي فإنّ لن نرى نتائج مرجوّة من أي مفاوضات في ظل مساعي الاحتلال لتقسيم غزة وشرذمتها، إذ يعتقد الكيان أنّه بذلك يحقق ما لم يستطع تحقيقه طوال الحرب، إذ كشفت تقارير إسرائيلية أن الخطوط العريضة لمستقبل الحكم في غزة أصبحت جاهزة، حيث سيتم عزل تجمعات سكانية من غير أنصار «حماس» والتعاون مع إدارات محلية لتنظيم الحياة في هذه التجمعات بدعم من الجيش الإسرائيلي، والتعاون مع قوات دولية أخرى.
خطة إسرائيلية لتقسيم القطاع إلى إقليمين وتشكيل إدارات محلية في المناطق المعزولة تحت حماية جيش الاحتلال
وبينت التفاصيل أنه بين شماله وجنوبه، ينقسم قطاع غزة إلى نصفين والفاصل بينهما محور نتساريم، وهذا التقسيم الجغرافي قد يتحول إلى تقسيم اجتماعي، وفق ما يلمح له الجانب الإسرائيلي، وفق خطة تقوم على أساس عزل مُناصري حركة «حماس» عن غير المناصرين، بما يشبه تقسيم القطاع إلى إقليمين، وترمي الخطة إلى تشكيل إدارات محلية في المناطق المعزولة تكون تحت حماية الجيش الإسرائيلي، فـ«إسرائيل» تصر على نزع حكم غزة من «حماس» وترفض استمرارها في أي مرحلة خلال عملية إنهاء الحرب.
حديث المفاوضات
في سياق المفاوضات، قالت مصادر في «حماس»: إنّ «إسرائيل» تقدمت بملاحظات على الورقة التي قدمتها الحركة في السادس من أيار الماضي، لافتة إلى أنّ الاحتلال يصر على رفض إطلاق سراح نحو 200 من الأسرى من ذوي الأحكام المؤبدة إلا بشروطه، لكنه سلّم بما أصرت عليه الحركة من وقف دائم لإطلاق النار والانسحاب الكامل وعودة النازحين بلا شروط، كما أّنّ الاحتلال يرفض أي ضمانات للاتفاق غير مصر وقطر والولايات المتحدة.
وفي وقتٍ سابق، أعلنت حركة «حماس» أنها لن ترسل وفداً إلى القاهرة، ولم تقبل استلام ما عرض عليها من الوسطاء، مؤكدة عدم موافقتها على الانطلاق من نقطة صفر من جديد، بعد أن وافقت على الورقة السابقة، لافتة إلى أنّ الشرط الأساسي الآن هو الحصول على موافقة إسرائيلية رسمية معلنة وصريحة على الورقة السابقة، وإلا لا يمكن الدخول في جولات ومناقشات من الصفر، كما عبّرت الحركة عن استغرابها من طلب الإدارة الأميركية المستمر، عبر الوسطاء، بالموافقة أولاً، فيما الطرف الإسرائيلي غير موافق، وعليه لن تناقش أي ورقة ما لم تكن هناك موافقة إسرائيلية عليها أولاً.