إيران تحت المنظار الأميركي ولا سبيل للتدخل أو التأثير.. تثقيل أوروبي لمسار تحقيق الدولة الفلسطينية وعقوبات أميركية ضد «الجنائية الدولية».. الكيان الإسرائيلي واللعب بـ«نار رفح»
تشرين – مها سلطان:
حتى انتخاب رئيس جديد خلفاً للرئيس الشهيد إبراهيم رئيسي، ستبقى إيران تحت المنظار الأميركي ترقباً ومتابعة حثيثة لكل التفاصيل، ورغم أن مسألة حدوث تغيير في السياسات الإيرانية- أياً يكن الرئيس الجديد- هي مسألة محسومة باتجاه الثبات على السياسات المعلنة إلا أن الولايات المتحدة لا تستطيع إشاحة النظر عن مجريات ومسار المرحلة الحالية، فكل التفاصيل مهمة جداً بالنسبة لها في سبيل تدبير وتحديد سياسة محددة في التعاطي مع مرحلة رئاسة إيرانية جديدة.. علماً أنه حسب الإعلام الأميركي فإن واشنطن أمام احتمالين فقط فيما يخص هذه المرحلة، فإيران إما أن تعتمد سياساتها الحالية «المتشددة» أو ستعتمد سياسات «أكثر تشدداً»، وفق تعبير الإعلام الأميركي، وفي كلتا الحالتين فإن الدول الغربية تستعد لمرحلة من عدم الاستقرار في العلاقات مع إيران، حسب ما جاء في صحيفة «وول ستريت جورنال» التي تنقل عن مسؤولين أميركيين تقييماتهم بأن إيران ستواصل على الأرجح تعميق العلاقات مع الصين وروسيا وتطوير البرنامج النووي ودعم الفلسطينيين، معتبرين أن الانتخابات الإيرانية المقبلة قد تؤدي إلى اتخاذ إيران مواقف أكثر تشدداً في المنطقة.
واشنطن لا تستطيع إلا أن تكون في حالة تركيز ومراقبة ومتابعة لمجريات الساحة الإيرانية فكل التفاصيل مهمة في سبيل تدبير وتحديد سياسة محددة بالتعاطي مع رئاسة إيرانية جديدة
وما جاء في «وول ستريت جورنال» ينسحب على أغلب الإعلام الأميركي، والغربي بالعموم، خصوصاً في ظل الأسماء التي يتم تسريبها أو توقعها لرئاسة البلاد، وفي ظل أن أميركا لا تستطيع بالمطلق التدخل أو التأثير، فكل ما تستطيع فعله هو الجلوس والمراقبة وانتظار نتائج الانتخابات.
وفيما تتحضر إيران لانتخابات رئاسية في غضون 50 يوماً، فإن مراسم تشييع رئيسها ورفاقه الشهداء تستمر وسط اتشاح عموم البلاد بالحزن والحداد، ووسط استمرار ردود الأفعال الدولية التي تشيد بمناقب الرئيس الشهيد ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان الذي قضى معه شهيداً في حادث المروحية.
لكن الحدث الجلل ومراسم التشييع ثم الانتخابات المقبلة، لا تعني أن إيران غائبة أو ستكون غائبة عن الساحتين الإقليمية والدولية، فما يجري خصوصاً في المنطقة لا يمكن الغياب عنه، وما تحمله جبهة غزة من تطورات وتداعيات عالية المخاطر لا يسمح إلا بأن تكون إيران «وكل دول المنطقة» في حالة حضور واستعداد دائمين.
ما تحمله جبهة غزة من تطورات وتداعيات عالية المخاطر لا يسمح إلا بأن تكون إيران (وكل دول المنطقة) في حالة حضور واستعداد دائمين
الدولة الفلسطينية.. زخم دولي
ويبدو أن جبهة غزة مقبلة على زخم تطورات جديدة، كبيرة وفارقة، في الأيام المقبلة، والمهم هنا أن هذه التطورات ليست بمجملها سلبية للجانب الفلسطيني، بل فيها الكثير من الإيجابية، والتي في بعضها تعد تاريخية لمصلحة القضية الفلسطينية، وبما يوجب الاستثمار فيها إلى أقصى حد.
الأيام الثلاثة الماضية كانت كارثية بالنسبة للكيان الإسرائيلي، ويبدو أن هذه الأيام ستمتد نحو تدعيم الموقف الفلسطيني ومسار الدولة الفلسطينية ضمن جهود إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ثلاث دول أوروبية جديدة اعترفت اليوم بالدولة الفلسطينية، هي: إسبانيا وإيرلندا والنرويج، لتنضم بذلك إلى ثماني دول أوروبية تعترف بالدولة الفلسطينية هي: بلغاريا، بولندا، التشيك، رومانيا، سلوفاكيا، المجر، السويد، وإدارة جنوب قبرص الرومية.
وحسب صحيفة «الباييس» الإسبانية فإن دولاً أوروبية أخرى في طريقها للاعتراف بالدولة الفلسطينية منها بلجيكا ومالطا وسلوفينيا، لأنها أعلنت سابقاً نيتها القيام بذلك.
وفيما اعتبرت الدول الثلاث أن خطوتها هذه هي رسالة قوية للدول الأخرى للحذو حذوها و«دعم استئناف مسار تحقيق حل الدولتين ومنحه زخماً جديداً»، حيث إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «يعرّض حل الدولتين للخطر ويواصل تدمير غزة».. إذ ردّ الكيان الإسرائيلي بغضب شديد مستدعياً سفراء هذه الدول، وقال وزير خارجية الكيان يسرائيل كاتس: إن «إسرائيل لن تتراجع ضد أولئك الذين يقوضون سيادتها ويعرضون أمنها للخطر».
النرويج: سنعتقل نتنياهو
الأخبار السيئة للكيان الإسرائيلي لم تنته بعد، حيث أعلنت النرويج قبل ساعات من اعترافها بالدولة الفلسطينية أنها ستقوم باعتقال نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت في حال دخولهما إلى أراضيها، وقال وزير خارجيتها إسبن إيدي: نحن ملزمون باعتقال نتنياهو إذا زار النرويج بعد صدور قرار عن المحكمة الجنائية الدولية بملاحقته بجرائم حرب، وأضاف: على كل الدول الموقّعة على ميثاق المحكمة الجنائيةالمحكمة الجنائية الدولية أن تتصرف وفق قرارها وأن تحذو حذو النرويج، مشيراً إلى أهمية القدرة على مقاضاة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.
إسناد أوروبي لمسار تحقيق الدولة الفلسطينية باعتراف ثلاثي متزامن بها من إسبانيا وإيرلندا والنرويج.. وتخوف إسرائيلي من «دومينو النرويج»
«ورغم أن تصريح وزير الخارجية النرويجي شمل أيضاً قادة حماس في حال شملتهم مذكرات الاعتقال إلا أننا دائماً نتناول هذه المسألة من زاوية الإيجابية التي يمثلها الوصول إلى مرحلة القدرة على استصدار قرارات دولية تحاسب وتحاكم قادة الإرهاب الإسرائيلي، متجاوزين حالياً مسألة أن طلب المدعي العام كريم خان استصدار مذكرات دولية ملطخ بعار المساواة بين الضحية والجلاد».
الآن، ما يتخوف منه الكيان الإسرائيلي بعد ذلك الإعلان من النرويج، أن يدخل في سياق «دومينو» تحذو فيه دول غربية أخرى حذو النرويج، وبما يوسع دائرة الحساب والعقاب، ويعمق الضغط على الكيان ومتزعميه.
مشروع عقوبات أميركي
وعليه.. فإن واشنطن تتحرك سريعاً في سبيل احتواء هذا السياق، ووفقاً للإعلام الإسرائيلي فإن الكونغرس الأميركي/ بمستوييه الجمهوري والديمقراطي/ يحضر مشروع قانون يتم بموجبه فرض عقوبات على كل من يتعامل مع ملف اعتقال نتنياهو وغالانت، وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» فإن مشروع القرار يتضمن فرض عقوبات على المدعي العام كريم خان وجميع موظفي مكتبه، إضافة إلى القاضيات الثلاث اللواتي ستقمن بدراسة طلبه لاستصدار مذكرات الاعتقال.
ويشمل أيضاً منع خان من دخول الأراضي الأميركيّة، وإغلاق الحسابات المصرفيّة، كما أنّ المُشرّعين يفحصون إمكانية تشميل أبناء العائلات في العقوبات التي ستُفرض على المسؤولين في محكمة لاهاي، والذين يقومون بالتعاطي مع ملف نتنياهو وغالانت.
وفي وقت سابق كشف المدعي خان أنه تعرض للتهديد، مؤكداً في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» الأميركية أن هذا التهديد لن يثنيه.
سوليفان عاد خائباً
في الأثناء، يبدو أن جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي عاد «خائباً» إلى بلاده، حسب تعبير «هيئة البث الإسرائيلية» وذلك بعد زيارة له إلى المنطقة شملت السعودية والكيان الإسرائيلي، تركزت كما يبدو على إمكانية تحقيق اتفاق تطبيع بين السعودية والكيان.
سوليفان عاد إلى بلاده خائباً: أفق التطبيع المأمول أميركياً بين السعودية والكيان الإسرائيلي ليس متاحاً
ووفق الإعلام الإسرائيلي فإن سوليفان شعر بخيبة أمل بعد لقائه نتنياهو «وهو يشعر بأنه لا توجد استراتيجية لدى نتنياهو لإنهاء الحرب»، واعتبرت «القناة 13» الإسرائيلية أن سوليفان قدّم عرضاً تاريخياً لإسرائيل من أجل التطبيع مع السعودية «يشمل إقامة تحالف إقليمي مع الولايات المتحدة وإنجاز صفقة تبادل أسرى واحتمال التوصل إلى تسوية على الجبهة اللبنانية».
وأشارت القناة الإسرائيلية إلى أن أسباباً كثيرة تجعل نتنياهو متردداً منها أن السعودية تشترط مسبقاً إنهاء الحرب على غزة وتحقيق الدولة الفلسطينية، وأضافت: إن سوليفان عبّر عن إحباطه من رفض «إسرائيل للعرض الأميركي»، وقال لمسؤولين إسرائيليين: إن «إسرائيل» تقف أمام خيارين: «إما تحقيق نصر عن طريق التطبيع مع السعودية أو الهزيمة في غزة».
ونقلت القناة عن مصادر إسرائيلية قولها: إن بايدن قد يجري اتصالاً مع نتنياهو في الأيام المقبلة لحثه على قبول العرض المطروح.
مصر وعملية رفح
في الأثناء، يستمر التركيز على ما يسميه الكيان «عملية محدودة» في رفح استجابة لطلب أميركي، علماً أن هذه العملية تتوسع بصورة خطرة باتجاه محور صلاح الدين/فيلادلفيا، وذلك رغم كل التحذيرات الإقليمية والدولية، خشية من رد فعل الجانب المصري، وما يمكن أن يقود إليه من تقويض لترتيبات «كامب ديفيد» وفق التحذيرات الأميركية.
وفيما أعلن الجيش الإسرائيلي توسيع تقدمه على محور فيلادلفيا، قال مصدر مصري رفيع المستوى لقناة «القاهرة» الإخبارية: إن احترام مصر لالتزاماتها ومعاهداتها الدولية لا يمنعها من استخدام كل السيناريوهات المتاحة للحفاظ على أمنها القومي وكذلك الحفاظ على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
وكان الكيان الإسرائيلي قد أعلن في 7 أيار الجاري سيطرته على المحور معززاً ذلك بقوة عسكرية.
تزامن ذلك مع دفع الجيش الإسرائيلي بـ10 ألوية إلى جبهة غزة مع اشتداد المعارك، خصوصاً في جباليا، وكانت كتائب القسام قد أعلنت اليوم أنها أوقعت قوة إسرائيلية راجلة قوامها عشرة جنود في كمين محكم بعد استهدافها بعبوة رعدية وقنابل يدوية (قرب مدرسة الزراعة شمال بيت حانون شمال قطاع غزة) وأوقعوهم بين قتيل وجريح.
جبهة الشمال
وعلى جبهة الشمال، تستمر المقاومة اللبنانية/ حزب الله، في دكّ مواقع الاحتلال، حيث أعلن في بيان اليوم استهداف 7 مواقع للجيش الإسرائيلي في القطاعين الشرقي والغربي من جنوب لبنان، وأوضح بيان الحزب أن الاستهداف شمل نقطة تموضع واستقرار لجنود الجيش الإسرائيلي في موقع رويسة القرن في مزارع شبعا بصاروخ موجّه وأصابها إصابة مباشرة ما أدى إلى اشتعال النيران فيها، كما تم قصف موقع المرج بقذائف المدفعية وموقع زبدين في مزارع شبعا بالأسلحة الصاروخية ما أدى إلى إصابتها إصابة مباشرة.
ولفت البيان إلى «قصف 4 مواقع في القطاع الغربي من جنوب لبنان مستهدفاً تحركات الجيش الإسرائيلي في موقع الراهب ومحيطة وموقعي المالكية وتل الكرنيتنيا».