إيران تبدأ مراسم تشييع رئيسها ورفاقه الشهداء وتعيد التأكيد على ثوابتها السياسية داخلياً وإقليمياً.. أميركا وكيانها على وقع مذكرات «الجنائية الدولية».. واشنطن تدين وتهاجم وتهدد
تشرين – مها سلطان:
لم تنحسر بعد حالة الحزن والمواساة الدولية التي عمّت يوم أمس مع استشهاد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان ومسؤولين آخرين في حادث تحطم مروحية في رحلة العودة من أذربيجان بعد تدشين سد حدودي مشترك، ومع مراسم تشييع الشهيد رئيسي ورفاقه الشهداء اليوم، يمكن القول إن المستوى الدولي سجّل حالة إنسانية بارزة في التعاطي مع المصاب الجلل الذي ألمّ بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، لم يخرقها سوى التصريحات المسيئة والمعيبة التي أطلقها الرئيس الأميركي جو بايدن، بينما كان العالم يقف أمس «في مجلس الأمن الدولي» دقيقة صمت حزناً ومواساة لإيران، الدولة والشعب، وفيما الكثير من الدول أعلنت الحداد لعدة أيام، ومن بينها سورية.
حالة الحداد والمواساة الدولية لإيران لم يخرقها سوى التصريحات المسيئة والمعيبة التي أطلقها بايدن فيما كان العالم كله يقف دقيقة صمت حزناً ومواساة للشعب الإيراني
ورغم أن حالة الجدل ما زالت قائمة حيال الحادث، إلا أنها ترافقت في الوقت نفسه مع إجماع على أن هذا الحادث لن تكون له تبعات على مستوى السياسات والأدوار، بمعنى تغيير في المسار الإيراني حيال تطورات المنطقة أو حيال ملفات وقضايا دولية، مرتبطة أو منفصلة، وهو إجماع صحيح، ولا يفترض أن يجادل أحد في مسألة السياسات الإيرانية المبنية على قواعد المصلحة الوطنية، والارتباط الإقليمي القائم على حتمية التعاون بين دول المنطقة، وأن تكون القوة الأساسية للمنطقة ودولها قائمة على ترسيخ قواعد القوة الداخلية وليس على قواعد القوة الخارجية، وأن هذه الدول قادرة بما تمتلكه من إمكانيات هائلة، مادية وبشرية، على أن تكون في مقدمة العالم وصاحبة تأثير وقرار في القضايا الدولية، خصوصاً أن ما تشهده من تطورات كارثية منذ أكثر من ثلاثة عقود يدفعها لأن تتقدم أكثر في طريق تعزيز القوة الداخلية من جهة، والتعاون فيما بينها من جهة ثانية، لتأخذ مكانتها التي تستحقها في عالم جديد يتشكل.
مع ذلك يمكن بوضوح ملاحظة أن الجدل في يومه الثاني انحسر نحو مسارات أكثر منطقية على قاعدة الحكمة والتصريحات الإيرانية المسؤولة، خصوصاً ذلك الجدل الذي حاول النيل من إيران مستغلاً مُصابها الجلل للتشكيك والتحريض «وتركز بشكل أساسي في وسائل إعلام أميركية وبريطانية».. وعليه فمن المتوقع أن تعود سريعاً الأمور إلى نصابها الصحيح، فيما تمضي إيران في تدبير أمورها وسياساتها، وفي مواجهة تحديات المرحلة ضمن ما تفرضه تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من تطورات وعواقب، وسيناريوهات مفتوحة على مزيد من المخاطر.
لا يُفترض أن يُجادل أحد في مسألة أن السياسات الإيرانية مبنية على قواعد المصلحة الوطنية والارتباط الإقليمي القائم على حتمية التعاون لتكون إيران والمنطقة كلها في المقدمة وصاحبة تأثير وقرار
ولأن حادث المروحية الإيرانية واستشهاد الرئيس الإيراني هما عملياً من دون تبعات إقليمية على مستوى السياسات والأدوار، فإن التركيز عاد مجدداً إلى جبهة غزة، سواء لناحية استمرار العدوان على قطاع غزة، ومن ضمنه مدينة رفح «واعتقالات واقتحامات مستمرة في الضفة الغربية» أو لناحية الطلب الذي تقدم به أمس المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان لإصدار مذكرات اعتقال بحق متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب (وأيضاً مذكرات اعتقال ضد قادة حماس يحيى السنوار ومحمد الضيف وإسماعيل هنية).
غزة و«الجنائية الدولية»
الآن لنتجاوز مسألة أن المدعي كريم خان لطّخ قراره المهم والبارز والإنساني، والذي هو غير مسبوق منذ زرع «إسرائيل» كياناً غاصباً إرهابياً في المنطقة عام 1948.. لنتجاوز مسألة أنه لطّخ هذا القرار بالمساواة بين الضحية والجلاد «عبر إصدار قرار مماثل بحق قادة حماس»، ونركز على أهمية هذا القرار وتاريخيته خصوصاً في حال وصل فعلياً إلى نقطة إصدار مذكرات اعتقال رسمية، وإذ نركز هنا على الجانب الإسرائيلي فهذا لا يعني أننا نتجاهل خطورة المذكرات نفسها فيما يخص الجانب الفلسطيني، ربما مرد ذلك أننا في المنطقة العربية اعتدنا تاريخياً على الانحياز الدولي الأعمى للكيان الإسرائيلي والتغطية على إرهابه، ولأن قادة المقاومة في أي دولة عربية «أو إقليمية كإيران ولنا في الشهيد قاسم سليماني مثالاً» كانوا دائماً ملاحقين ومستهدفين بالاغتيالات، ولطالما كانت تحركاتهم ضمن نطاقات جغرافية محددة جداً، وأغلبها كان يجري سراً، وبالتالي فإن مذكرات الاعتقال لن تغير شيئاً إلا إذا كان للدول المعنية حديث آخر، وإلا إذا اتجهت جبهة غزة نحو استقرار من نوع ما على أرضية ترتيبات فلسطينية – عربية- إقليمية «قد يكون من بينها حل الدولتين».
لماذا لطّخ المدّعي خان قراره التاريخي /الإنساني/ بحق قادة الكيان بالمساواة بين الضحية والجلاد؟.. وهل سيتحول طلبه مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى حقيقة واقعة وملزمة؟
وبالعموم فإن الغرب بمجمله، الرسمي والإعلامي، ركّز على الجانب الإسرائيلي، عبر تصريحات حادة، ما زالت مستمرة، تهاجم المدعي العام والمحكمة الجنائية الدولية، وتنعتها بأسوأ الصفات والاتهامات، علماً أننا لا نشهد الأمر نفسه عندما تكون مذكرات الاعتقال ضد من تعتبرهم أميركا خصوماً لها، أو من تشن الحروب ضد دولهم أو تفتعل الاضطرابات والاقتتال فيها.
ومع ما تكتبه وسائل الإعلام الغربية واعتبارها أن نتنياهو بات سجيناً فإننا لا نحتاج إلى تعليق أو تفسير حيال التبعات المحتملة على الكيان الإسرائيلي وقادته في حال صدور مذكرات اعتقال رسمية، وكانت حكومة الكيان الإسرائيلي قد أعلنت مباشرة أمس – بعد تقديم المدعي العام كريم خان طلباً للمحكمة الجنائية الدولية «للدراسة» لإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت- عن تشكيل غرفة حرب في مجلس الحرب «الكابينت» لمواجهة التحرك المقبل للجنائية الدولية.
صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية اعتبرت أن القرار يثير أسئلة صعبة للدول الحليفة للكيان الإسرائيلي، وهي من الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، وقد يطلب منها اعتقال نتنياهو وغالانت إذا صدرت مذكرات اعتقال رسمية وسافر كلاهما أو أحدهما إلى أراضيها.
واعتبرت صحيفة «تلغراف» البريطانية أن مذكرة الاعتقال الدولية هي أكبر مخاوف نتنياهو والتي قد تصبح قريباً حقيقة واقعة، بينما لفتت «بي بي س» إلى أنه إذا صدرت مذكرات اعتقال فهذا يعني أن نتنياهو لن يتمكن من زيارة أي من الحلفاء الغربيين المقربين من دون المخاطرة بالاعتقال، ورأت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن خطوة المدعي خان تمثل تحديات جديدة لحلفاء الكيان الغربيين الذين يجهدون منذ أشهر لحمايته من الإدانة الدولية، أما شبكة «سكاي نيوز» فاعتبرت أن «الجنائية الدولية» لا تملك وسيلة لتنفيذ أوامر الاعتقال في ظل معارضة الولايات المتحدة، في حين قال موقع «أكسيوس» الأميركي إن هدف «الجنائية الدولية» ليس الحصول على مذكرات اعتقال، بل التركيز على مسؤولية نتنياهو وغالانت عن الأزمة الإنسانية في غزة.
مع ذلك ورغم كل ما يُقال حول هذه المسألة فإنه يمكن اعتبار أن المدة التي تفصل بين الطلب وبين إصدار المذكرات هي بمنزلة مهلة لأميركا لممارسة أقصى الضغوط لدفن الطلب، وهي هددت بذلك منذ اللحظة الأولى لإعلان المدعي العام كريم خان، وليس مستبعداً أن تنجح في ذلك.
على أن هذا الأمر على أهميته، وبما جعل قادة الكيان في حالة استنفار عالية المستوى إلا أنه عملياً لم يؤثر في مواصلة الكيان لحربه على قطاع غزة مرتكباً المزيد من المجازر.
لا هجوم كبيراً على رفح.. لماذا؟
وفيما يؤكد الجيش الإسرائيلي أن قواته تتقدم في عمق رفح، وأنها سيطرت على ثلثي محور صلاح الدين/ فيلادلفيا، قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في تقرير لها اليوم: إن الكيان قرر تأجيل خططه لشن هجوم كبير على مدينة رفح، وإنه سوف يتحرك بطريقة محدودة، بعد مناقشات مع الولايات المتحدة.
وقالت الصحيفة الأميركية: إن قادة الكيان توصلوا إلى إجماع حول الهجوم النهائي على رفح، وبدلاً من الهجوم العنيف بفرقتين، الذي فكّر فيه قبل عدة أسابيع، يتوقع المسؤولون الإسرائيليون هجوماً محدوداً، فيما «يزعم» المسؤولون الأميركيون أنه سيؤدي إلى سقوط عدد أقل من الضحايا.
وأشارت «واشنطن بوست» إلى أنه على الرغم من أن «حماس» ستحتفظ بوجودها في غزة، إلا أن القادة الإسرائيليين يقولون: إن حوالي 75% من قدراتها العسكرية قد تم تدميرها، وإن عملية رفح ستقضي على الكثير من القدرات المتبقية.
كيف أقنعت واشنطن الكيان الإسرائيلي بهجوم محدود على رفح والتخلي عن «وهم القضاء الكامل على حماس».. لننتظر تطورات جديدة في الأيام المقبلة
في الأثناء ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة جديدة في مدينة جنين ومخيمها قضى فيها سبعة مواطنين شهداء، بينما أصيب تسعة آخرون، ومن بين الشهداء مدير مستشفى جنين الحكومي الدكتور أسد جبارين حيث تم استهدافه في محيط المستشفى.
الجبهة الشمالية
وعلى الجبهة الشمالية، أعلنت المقاومة اللبنانية/حزب الله، استهداف 13 موقعاً للجيش الإسرائيلي في القطاعين الشرقي والغربي من الحدود الجنوبية للبنان.
وأوضح الحزب في بيان أنه نفّذ أمس الإثنين، في القطاع الشرقي من جنوب لبنان، 7 عمليات ضد مواقع وانتشار الجيش الإسرائيلي بالقرب من الحدود اللبنانية الجنوبية، حيث استهدف ثكنة «زبدين» في مزارع شبعا وثكنة «راميم» بصواريخ بركان.
وأضاف: إنه استهدف «بالصواريخ الموجهة مركزاً للجيش الإسرائيلي على المدخل الشرقي لقرية الغجر وأصاب مكان استقرار وتجمع ضباط الجيش بشكل مباشر وإيقاعهم جميعاً بين قتيل وجريح، وقد شوهدت عملية نقل الإصابات من المكان»، إضافة إلى استهداف موقع المطلة، وقصف موقع المرج لـ3 مرات متتالية بقذائف المدفعية وإصابته إصابة مباشرة، حسب البيان.
وتابع البيان: تم قصف «سبعة مواقع في القطاع الغربي من جنوب لبنان، حيث قصف عناصر الحزب مقر الفرقة 91 في ثكنة برانيت بصاروخ بركان ثقيل ما أدى إلى تدمير جزء منها وإصابة عدد من جنود الجيش الإسرائيلي واشتعال النيران فيها، كما قصفوا موقع الراهب بالأسلحة المناسبة وتحقيق إصابات مباشرة، وموقع المالكية وانتشار للجنود في محيطه بقذائف المدفعية، كما تم استهداف موقع راميا وموقع جل العلام، وبعد رصد ومتابعة لقوات الجيش الإسرائيلي في موقع المالكية وعند تحرك مجموعة جنود بداخله استهدفه عناصر حزب الله بالأسلحة الصاروخية وأوقعوا فيهم إصابات مؤكدة».