استعجال أميركي لتحقيق «اليوم التالي» ومعاكسة إسرائيلية.. تركيز على السعودية ومصر تُؤرق واشنطن.. ولماذا تبدو القمة العربية غائبة عن التداول الأميركي؟
تشرين – مها سلطان:
لاتزال الولايات المتحدة بعيدة عن إتمام دائرة «اليوم التالي» التي تحاول رسمها عربياً وفلسطينياً وإقليمياً لما بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وذلك رغم الجهود الهائلة التي تبذلها، حيث إن موفديها يحافظون على إقامة شبه دائمة في المنطقة في سبيل نسج خيوط مُحكمة لمسألة «اليوم التالي»، لكن من دون نتيجة مرضية لها وللكيان الإسرائيلي حتى الآن، وعملياً فإن الولايات المتحدة بالكاد تستطيع تقديم قضية على أخرى في مسار التداعيات المتواصلة التي تفرزها الحرب.. عربياً وإقليمياً كل القضايا تبدو على درجة واحدة من الأهمية والخطورة، من الحرب نفسها، إلى «اليوم التالي»، إلى عملية رفح وما يمكن أن تجره من تداعيات خطرة خصوصاً مع مصر وما يسمى ترتيبات كامب ديفيد، وصولاً إلى اتفاقات التطبيع، وجبهة البحر الأحمر وما تفرضه من إجبارية تقديم واشنطن تنازلات، مباشرة أو مداورة، لا فرق.
يحافظ المسؤولون الأميركيون على إقامة شبه دائمة في المنطقة في سبيل نسج خيوط مُحكمة لمسألة «اليوم التالي» من دون نتيجة مُرضية لواشنطن وكيانها حتى الآن
كل هذا ربما يفسر حديث فريق من المراقبين عما يسمونه غياب القمة العربية المقررة غداً في البحرين عن التداول الأميركي، رغم أن الحرب الإسرائيلية على غزة تعد الملف الرئيس على طاولة القمة، ومادامت هي كذلك فلا بد أن تكون القمة أولوية أميركية في هذه الأيام، وهي دائماً ما كانت تحظى باهتمام أميركي واسع خصوصاً في العقدين الماضيين لناحية ممارسة أقصى الضغوط والابتزاز لتصدر القرارات في حدها الأدنى، ولتبقى في إطار نظري، مقابل تكريس حالة ثنائية من نوع ما ضمن أطر إقليمية تقسم المنطقة العربية وفق ما يخدم المخططات الأميركية/الإسرائيلية.. هذا قبل أن تنقلب الطاولة على واشنطن خلال الأعوام الخمسة الماضية، خصوصاً بعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي.
لكن الذي تغير اليوم لناحية غياب التداول أو الاهتمام الأميركي فيما يخص القمة العربية في دورتها الـ33 الحالية، هو أنها تأتي في قمة الانشغال الأميركي بتداعيات حرب غزة، ولأن هذه الحرب هي من الاتساع والخطورة بحيث إن ميدانها يتجاوز ميدان قاعات القمة، إذا جاز لنا التعبير، بمعنى أن ما تريده واشنطن لن تجده على طاولة القمة، بل هي تعمل على إيجاده، بمعنى فرضه داخل الغرف المغلقة التي يلج إليها موفدوها، محاولين أقصى جهدهم الوصول إلى حالة التفافية ضد الجانب الفلسطيني بطرفيه «القطاع والضفة» سواء فيما يخص الحرب أو ما يخص استكمال مسار التطبيع الذي لا يبدو متاحاً بأي صورة حالياً، وعملياً كل القضايا مرتبطة بغزة وبـ«دولة فلسطينية» ولا حلّ لأي منها إلا من خلال ذلك.. هذه حتمية باتت تدركها جيداً الولايات المتحدة، ومع ذلك ستبقى حتى اللحظة الأخيرة تحاول الالتفاف عليها.
غياب القمة العربية عن التداول الأميركي لا يعني غياب الاهتمام بقدر ما يعني أن مسار التطورات خرج عن إمكانية الاحتواء وإعادة الضبط ولا بد من تغيير كامل في التدبير والتخطيط
والحديث عن القمة العربية هنا هو حديث من ناحية الجانب الأميركي، وليس حديثاً عنها كأهمية وقيمة على المستوى العربي، كما أن الحديث عن غيابها عن التداول الأميركي لا يعني غياب الاهتمام الأميركي بها، لكن هذه المرة ليس معلناً بشكله التدخلي الصارخ كما كان في قمم مضت، كما أن الولايات المتحدة ترى أن هذا التدخل المعلن بات ورقة خاسرة في ظل الانزياحات الكبرى التي شهدتها المنطقة سياسياً واقتصادياً، خصوصاً بمستواها الدولي وبما يستدعي تغييراً كاملاً في التدبير والتخطيط.
تركيز أميركي على مصر
وفيما يعود مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان إلى المنطقة يوم السبت المقبل، أي بعد القمة العربية، بدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أكثر تركيزاً على الجانب المصري، لناحية احتواء تداعيات عملية رفح، والتوتر المتصاعد بين مصر والكيان الإسرائيلي على خلفية الإجراءات الميدانية الإسرائيلية في منطقة معبر رفح، ما دفعها إلى رفع مستوى الاتصالات وتكثيفها مع الجانب المصري، وحسب وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» فإن وزير الدفاع لويد أوستن اتصل هاتفياً بنظيره المصري محمد زكي أمس الثلاثاء، مؤكداً التزام الولايات المتحدة تجاه أمن مصر «والشرق الأوسط» في مواجهة التهديدات الإقليمية، معرباً عن «التقدير الأميركي لدور القيادة المصرية في منع اتساع نطاق الصراع الحالي وتوفير المساعدات الإنسانية لأهل غزة».
جلّ التركيز الأميركي حالياً هو على مصر واحتواء تداعيات عملية رفح على ترتيبات كامب ديفيد.. فيما يبقى للسعودية تركيز خاص حيث تعتبرها واشنطن مركز الثقل لأي تحرك عربي إقليمي
وحسب المعلن فإن الاتصال الهاتفي تناول التعاون الأمني «الثنائي العميق» بين واشنطن والقاهرة، وفق تعبير «البنتاغون».
يأتي هذا الاتصال عقب زيارة لقائد القيادة المركزية الأميركية مايكل كوريلا، الأسبوع الماضي، إلى مصر حيث التقى وزير الدفاع المصري محمد زكي.
ولا تستطيع واشنطن إخفاء مخاوفها على ترتيبات كامب ديفيد في ظل تصاعد التصريحات الحادة بين مصر والكيان الإسرائيلي على خلفية سيطرة الكيان على الجانب الفلسطيني من معبر رفح والذي يمثل تهديداً قومياً بالنسبة لمصر لما يظهره من نيات عدوانية بعيدة الأهداف لما يخطط له الكيان الإسرائيلي في المرحلة المقبلة.
خشية واشنطن لا تنطلق فقط من القلق على ترتيبات كامب ديفيد، بل لناحية أنها تخطط لتكون مصر جزءاً من مسألة «اليوم التالي» ضمن غطاء عربي لحكم إسرائيلي لقطاع غزة، وما يفعله الكيان الإسرائيلي في ميدان رفح هو تهديد كامل لهذا المخطط الأميركي.
وكانت صحيفة «فايننشال تايمز» قد نشرت في عددها اليوم الأربعاء مزيداً من التفاصيل حول هذه المخطط، ونقلت عن مصادر في البيت الأبيض أن إدارة بايدن «دعت دولاً عربية للمشاركة في قوة لحفظ السلام تنتشر في قطاع غزة بعد الحرب لملء الفراغ إلى أن يتم تشكيل جهاز أمني فلسطيني ذي مصداقية».
وأضافت: إن مصر والإمارات والسعودية والمغرب ضمن هذه الدول، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن دعوة بايدن قوبلت بالرفض.
عودة سوليفان
في حين يبقى للسعودية، أميركياً، تركيز خاص على جانبين، التطبيع وجبهة البحر الأحمر.
ووفق موقع «إكسيوس» الإخباري الأميركي فإن زيارة سوليفان إلى السعودية يوم السبت المقبل ستركز على محاولة تحقيق تقدم نحو صفقة ضخمة بين الولايات المتحدة والسعودية يمكن أن تشمل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
ويضيف الموقع الأميركي: إن المسؤولين الأميركيين يأملون في التوصل إلى اتفاقيات ثنائية مع السعودية، ثم عرضها على متزعم حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحيث تشمل «إنهاء الحرب والالتزام بمسار يؤدي إلى حل الدولتين»، وإذا وافق على ذلك فيمكن لإدارة بايدن التوسط في اتفاق تطبيع مع السعودية، وإذا رفض فإنه يفقد الدعم الأميركي ويواجه عواقب عملية رفح بمفرده.
وكانت قناة «كان» قد أشارت إلى أن «إدارة بايدن توصلت إلى تفاهم مع الحكومة الإسرائيلية على عدم توسيع أي عملية في رفح على نحو كبير قبل زيارة سوليفان إلى السعودية وإسرائيل الأسبوع المقبل».
ويأتي ما أورده موقع «إكسيوس» استمراراً للحديث الأميركي عن قرب توقيع اتفاق تطبيع بين السعودية والكيان الإسرائيلي، بينما تؤكد السعودية في كل مناسبة أن هذا لن يحدث إلا بعد التوصل إلى إنهاء الحرب على غزة وتحقيق حل الدولتين.
ميدان غزة والضفة
في الأثناء، يواصل الجيش الإسرائيلي عملياته في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، مواصلاً في الوقت ذاته حملة اقتحامات واعتقالات في عدة مدن وبلدات في الضفة الغربية، من بينها بلدات يعبد وعرابة وجلبون، وكذلك أحياء وبلدات في محافظات رام الله والبيرة ونابلس وبيت لحم وقلقيلية.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن إنهاء عمليته العسكرية في حي الزيتون بمدينة غزة بعد ستة أيام من بدئها، بينما كشف الإعلام عن الدمار الهائل الذي خلفته هذه العملية.
مع ذلك فإن الميدان لا يصب في مصلحة الكيان، وبما ينعكس بصورة حادة على وضع نتنياهو وحكومته، حيث كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية اليوم أن حركة حماس عادت إلى شمال القطاع، وأن الغضب يتصاعد بين جنرالات الجيش ضد نتنياهو.
وقالت: إن الاستياء يسود بين جنرالات الجيش الإسرائيلي من فشل نتنياهو في إعداد خطة لإيجاد بديل عن حماس يحكم غزة بعد الحرب. وأضافت نقلاً عن مصادرها: إن إحجام نتنياهو عن الحديث بجديّة عن المراحل النهائية للحرب على غزة سهّل على حماس العودة إلى مناطق مثل جباليا شمال غزة.