رفح وورقتها الخاسرة .. مشهد مفتوح على جميع الاحتمالات.. كيان الاحتلال يسير بمحوره على حافة الهاوية: «هذه حدود قوتنا»
تشرين – هبا علي أحمد:
مع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره الثامن بالتمام، تراكم المقاومة الفلسطينية مع جبهات الإسناد الإقليمية نقاط القوة والضغط على الكيان الصهيوني وداعميه، وهي مستمرة في مراكمة هذه النقاط باستمرار العدوان، وحتى وإن لم تستطع حتى الآن التوصل إلى صيغ توقف العدوان بشكل نهائي بفعل الرعونة الصهيونية، إلّا أنها غيّرت المعادلات ورسمت خطوط قواعد اشتباك جديدة كانت كفيلة بإصابة كيان الاحتلال في مقتله، الذي لا يجد بُداً أمام هذا الواقع من المغامرة بكل شيء، والسير على حافة الهاوية بلا خطط ولا استراتيجية واضحة، ولا يمكن لأي من الداعمين له فعل أي شيء لإنفاذه ولأنه يمشي بلا أفق فإن معركة رفح باتت قاب قوسين أو أدنى وخلال ساعات قليلة جداً ممكن أن يُعلن البدء بها رسمياً، ويمكن القول إنها بدأت من دون انتظار الإعلان الرسمي، ضارباً بعرض الحائط كل النداءات الدولية الداعية لعدم اجتياح المدينة بما لذلك من تداعيات إقليمية ودولية، كما باجتياح رفح ينسف كيان الاحتلال المسار التفاوضي في جولته الراهنة والتي تضمنت موافقة المقاومة على اتفاق تهدئة جديد تقدم به الوسطاء من دون أن يوافق عليه الاحتلال بعد.. ورغم أنّ الصورة واضحة بالكامل ولا تحتمل التأويل أو حتى مجرد التفاؤل، إلّا أنها قد تتحوّل بين لحظة وأخرى في ظل المشهد المفتوح على جميع الاحتمالات، وهذا التحوّل أيّاً ما يكون شكله فليس بالإمكان أن يكون لمصلحة الكيان بأي حال من الأحوال.
بعد رفح ليس كما قبلها.. اجتياح المدينة ورقة خاسرة يعرقل المفاوضات ويهدد بانهيارها، ونتنياهو يقود كيانه إلى حتفه، وخسارته تمثل خسارة محور بأكمله في مقدمته واشنطن
ورقة رفح الخاسرة
ورغم الكارثة الإنسانية المرتقبة في حال الاجتياح الفعلي لمدينة رفح، إلّا أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يقود كيانه إلى حتفه تماماً، إذ لن يكون بعد رفح كما قبلها، وباعتبار أن المدينة آخر ورقة لدى نتنياهو لتحقيق أهدافه من الحرب «وهي القضاء على المقاومة في غزة، واستعادة الأسرى الإسرائيليين من دون شروط»، إلّا أنها ورقة خاسرة بلا شك كما كانت كل أوراق المعارك في قطاع غزة، الشمال والوسط وخان يونس، على مدار سبعة أشهر خاسرة، فجيش الاحتلال منهك تماماً وخائف، والكثير منه فرّ من الخدمة وفقد «الإيمان» بما يقوم به وبقياداته، والأكثر من ذلك فإن خسارة نتنياهو هو خسارة لمحور بأكمله في مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك توجّه النداءات الغربية والأمريكية لعدم اجتياح الاحتلال للمدينة كما أشار مراقبون في الشأن وليس لدعاوى ومزاعم إنسانية.
ورغم إن النتيجة معروفة مسبقاً إلّا أن نتنياهو لم يعد لديه أيّ خيارات سوى الهروب إلى الأمام أقلّه لترميم صورته أمام «مجتمعه الداخلي» من هنا أي خطوة يحسبها بمنزلة «الإنجاز» له، ولا بدّ من أنه يتباهى بـ«سيطرة» جيشه على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وبطبيعة الحال فإن نتنياهو لا يتسبب باجتياح رفح بكارثة إنسانية فقط كما تمّ ذكره آنفاً ولكن يتسبب بمعضلة حقيقية لكيانه، إذاً سيعود الحديث عن إلغاء معاهدة «كامب ديفيد» من عدمه إلى الواجهة، ولا سيما بعد دخول قوات الاحتلال إلى محور فيلادلفيا بعد «سيطرة» الاحتلال على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، إضافة إلى معضلة مسار التطبيع الذي سيتعرقل بلا شك أقلّه راهناً.
معبر رفح البري المنفذ البري الوحيد لإدخال المساعدات، وانقطاع دخولها سيزيد من كارثة الجوع وستؤدي إلى وقف الاستجابة الإنسانية لكل القطاع
بالتزامن مع ذلك، أفادت معلومات بأن قصفاً مدفعياً إسرائيلياً استهدف محيط معبري رفح وكرم أبو سالم وحيي السلام والجنينة، فيما استهدفت غارات جوية حي التنور في مدينة رفح جنوبي القطاع، مع توقف حركة المسافرين ودخول المساعدات بشكل كامل إلى قطاع غزة، وذلك بعد دخول دبابات الاحتلال إلى مرافق المعبر من الجانب الفلسطيني.
وفي السياق، قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» في غزة: إن استمرار انقطاع دخول المساعدات والوقود عبر معبر رفح، سيؤدي إلى وقف الاستجابة الإنسانية لكل قطاع غزة، محذّرة من أن كارثة الجوع ستزداد سوءاً خاصة في شمال غزة، إذا توقف دخول الإمدادات إلى القطاع.
وتُعدّ مدينة رفح آخر ملاذ للنازحين في قطاع غزة، كما يُعد معبر رفح البري شريان حياة لمواطني القطاع والمنفذ البري الوحيد لإدخال المساعدات وإجلاء المصابين، ويعني الهجوم العسكري الإسرائيلي عليه الحرمان من المساعدات الغذائية والطبية.
– انهيار المفاوضات
أمام هذه التطورات لسنا بحاجة لورود أخبار واضحة حول انهيار المفاوضات الدائرة حالياً للتوصل إلى هدنة بعد قبول «حماس» بمقترح جديد للوسطاء الإقليميين وردّها الذي جاء إيجابيّاً، فالحقيقة واضحة من البداية الاحتلال لا يريد التفاوض وعمد دائماً إلى عرقلة مساره وأي جهود من شأنها أن تُفضي إلى وقف إطلاق النار الدائم، مُتذرعاً بحجج واهية وبأن البنود لا «تلبي مطالبه»، فبالتوازي مع المفاوضات تشهد رفح قصفاً عنيفاً قُبيل العملية المرتقبة والوشيكة، التي قيل عنها حسب مصدر مُطّلع على الخطط الإسرائيلية إنّها «محدودة، وليس التوغل الأكبر في رفح، وتهدف إلى مواصلة الضغط الإسرائيلي على حماس» مضيفاً: «إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بخطط إخلاء المنطقة شرق رفح، وتنفيذ العملية قبل الاتصال الهاتفي يوم أمس بين الرئيس الأميركي، جو بايدن ونتنياهو.
الردّ الإيجابي لـ«حماس» دقّ إسفيناً بين «إسرائيل» وأمريكا، والقبول الإسرائيلي بالصفقة لن يشكل «نصراً» بل اعتراف بحدود القوة.
في ظل هذه المعطيات، قالت مصادر في المقاومة إنّ احتلال معبر رفح يهدد بانهيار المفاوضات و«حماس» تعتبره استفزازياً ومقصوداً لعرقلة المفاوضات، في حين قالت الخارجية المصرية: إن العملية الإسرائيلية في رفح تهدد مصير الجهود المضنية المبذولة للتوصل إلى هدنة مستدامة وتهدد حياة أكثر من مليون فلسطيني.
وتتهم وسائل إعلام العدو نتنياهو بتخريب المفاوضات خوفاً من انهيار ائتلافه وخسارة قاعدته الانتخابية اليمينية، مشيرة إلى أنّ «حماس» ربما تكون قد تمكنت من دق إسفين بين «إسرائيل» والولايات المتحدة من خلال ردّها الإيجابي، لافتة إلى أن قبول «إسرائيل» بالصفقة لن يشكل «نصراً إسرائيلياً» أو استسلاماً لحماس، بل اعتراف بحدود القوة.