“ناتو” ومشاريعه الاقتصادية في القوقاز..!
تتسابق الأحداث وتغيرات القوة الاقتصادية العالمية منذ سنة /2022/ ومعها تتشكل خرائط جيوسياسية دولية جديدة، وتسعى الدول الليبرالية للتأقلم مع هذه المتغيرات بمشاريع اقتصادية جديدة ضد محوري المقاومة ومكافحة الإرهاب وخاصة (الصين وروسيا)، مثل مشروعي (قناة بن غوريون والممر الهندي عبر فلسطين) وغيرهما، وتم إقرارهما في اجتماع دول العشرين G20 سنة /2023/ في الهند، ولكن توجد متغيرات أخرى مناقضة، مثل أن الصين تستعد للتربع على عرش الاقتصاد العالمي والعمل لاستعادة تايوان، وتنتصر روسيا في حربها مع “ناتو” وأصبح الاقتصاد الروسي الأول في أوروبا، تجاوزت إيران الضغوطات الناتوية وتسير سورية في طريقها نحو الانتصار النهائي على الإرهاب ..الخ.
وأمام هذا الواقع الجديد لم يجد (حلف ناتو NATO) مهرباً من نقل كرة النار من مكان لآخر وعن طريق مشاريع اقتصادية تقسيمية تفوح منها رائحة الصراع والحروب وبرائحة الدم، وتتجسد حالياً بعد (غزة) في منطقة (القوقاز أو القفقاس)، الغنية بالثروات الطبيعية والعلمية، وموقعها الجيوسياسي بين ( أوروبا وآسيا) سواء كان (القوقاز الروسي) أو الدول الحديثة مثل (أبخازيا وأوسييتا) والدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق منذ /1991/ (جورجيا وأرمينيا وأذربيجان)..
وتتجسد التوجهات الناتوية الحالية للتوسع في القوقاز ولأسباب اقتصادية ومنها نذكر: امتلاكها 35% من إنتاج النفط العالمي و/27%/ من احتياطيات الغاز -وتحتوي على أكثر منابع المياه الدولية المولدة لمصادر الطاقة ولا تتجاوز نسبة المستغل منها /10%/- وهي مصدر كبير للقطن والمعادن النادرة وفيها قاعدة علمية متطورة من علماء وبنية تحتية ومتخصصين متراكمة من أيام (الاتحاد السوفييتي السابق)- موقعها بين الصين وروسيا وأفغانستان وإيران والخليج وتركيا، ومن هنا نتفهم سعي دول “ناتو” لإقامة الممر الاقتصادي بين (أذربيجان وأرمينيا) ويطلق عليه تجاوزاً (ممر زنغزور ) نسبة لمنطقة (زنغزور) وبالتعاون مع (تركيا والكيان الصهيوني) كما أعلنت تركيا ذلك بتاريخ 13/9/2023 ليكون أداة لزعزعة الاستقرار في تلك المنطقة، وعندها سيتم تطويق روسيا من البحر الأسود والصين من بحر الصين الجنوبي وإيران من الخليج -إعاقة التعاون الصيني مع روسيا وإيران وغيرهما وقطع الطريق على المشاريع الصينية خاصة طريق الحرير حزام واحد طريق واحد والممر بين الخليج والبحر الأسود -إلحاق الضرر بنقل النفط والغاز تصديراً واستيراداً من أوزبكستان وكازاخستان وتركمانستان وبحر قزوين، والاستعاضة عنها بمشاريع من أذربيجان وتركيا وفلسطين المحتلة ومن ثم أوروبا -العمل لتدمير منظمتي شنغهاي وبريكس من داخلهما وخاصة بعد توسعهما الأفقي وتكاملهما العمودي وهما تشكلان أكثر من /60%/ من مساحة العالم و /50%/ من سكانه وتجاوز حجم تعاملها الاقتصادي ما يزيد على /20/ تريليون دولار…الخ.
إن الممر المستهدف لا يشكل مساحة كبيرة فطوله بحدود /40/ كم في منطقة (زنغزور) الأذربيجانية، لكن أهدافه تكمن في الفصل بين إيران وأرمينيا، وإثارة مشاكل في محيط بحر قزوين الغني بالثروات -المساعدة في تمدد النزعة التركية في دول القوقاز وآسيا الوسطى وإقامة قواعد لحلف “ناتو” في تلك المنطقة الإستراتيجية ومحاصرة إيران شمالاً وروسيا جنوباً والصين غرباً وخاصة من إقليم (شينجيانغ) وإقامة (ناتو تركي) – تمدد حلف “ناتو” وتشكيل مراكز دولية داعمة له مثل إستونيا ولاتفيا وبولندا والسويد وفنلندا- تأجيج الصراعات والانتماءات العرقية والدينية والقومية وزيادة التناقض بين أحزابها الدينية والسياسية بحيث تصبح المنطقة مسرحاً لقوى الاستعمار القديم والحديث وتحويل دورتها الاقتصادية لمصلحة الدول الليبرالية المتوحشة بقيادة أمريكية أوروبية.
فهل تمر مشاريع (التحالف الصهيو تركي الناتوي) في القوقاز أم تمهد لحرب قادمة ؟!.ولا سيما أن الدول الغربية مستعدة الآن في ظل تراجعها الدولي للقيام بأي عمل لاستمرار سيطرتها الاقتصادية والسياسية وعلى حساب شعوب العالم، هل ستمرر (روسيا والصين وإيران) هذا المشروع؟، وبرأينا إذا تم تنفيذه سيكون مقدمة لمشاريع ناتوية أكبر وأكثر سلبية على اقتصاديات دول المنطقة لمصلحة “ناتو”، وقد تتكرر مأساة فلسطين في بعض دول القوقاز، فأمام سلطة (رأس المال) وتمركزه ترخص كل المبادئ والدماء، وليس من المستبعد أن تتكرر ظاهرة إبادة الهنود الحمر في أمريكا والتطهير العرقي في فلسطين وغيرهما، إنها ديمقراطية الغرب الذي يقتات على دماء الشعوب المقهورة وتحت شعارات طنانة كاذبة، وكلها بدأت بمشاريع اقتصادية سياسية صغيرة كما في منطقتنا العربية وغيرها، السنوات القادمة ستؤكد ذلك وقد أكون مخطئا ولكن النوايا شيء وحسابات الربح والخسارة شيء آخر فهل تتعظ دول القوقاز قبل فوات الأوان؟!.