لا شك أن زيارة الرئيس الأسد للصين كانت رداً كافياً للمشككين بقدرة الجغرافيا على أن يكون لها كلمة عُليا في المصالح الدولية الكبرى، هذا أولاً، وللمشككين ثانياً بقدرة الدولة السورية على أنها تستطيع فتح أبواب جديدة بمواجهة الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأميركية، فكيف الحال ونحن نتحدث عن الصين وعن شراكة إستراتيجية معها.
هذه الشراكة الإستراتيجية هي الهدف، وبما يجعل نموذج «الإبداع الصيني» مفتوحاً للاستفادة القصوى ليلعب دوراً رئيساً في المرحلة المقبلة ليس في الاقتصاد فقط بل وفي السياسة، والصين لطالما دعمت سورية سياسياً في المحافل الدولية بمواجهة المخططات العدوانية الأميركية – الغربية لتصعيد الحرب ودفع سورية باتجاه الانهيار التام دولةً ومؤسسات.. ومن يدري ربما يفتح باب الشراكة الإستراتيجية مع الصين باباً ميدانياً؟.. بمعنى أن يساهم الحضور الصيني في تقوية الدولة السورية ميدانياً بمواجهة المحتل الأميركي وشراكته مع الإرهابيين، ونحن هنا بالتأكيد لا نتحدث عسكرياً بقدر ما نتحدث عن ضغوط سياسية، وانفتاح اقتصادي يساعد سورية في مواجهة الحصار والانطلاق بعملية إعادة الإعمار.
كثيرون راهنوا على أن الصين لن تفتح أبوابها لدولة ما زالت في حالة حرب، وأنها ستكتفي بتسجيل الحضور على الساحة السورية، سياسياً، أما اقتصادياً فلا مصلحة لها، ولا فوائد، ليس فقط لأن سورية في حالة حرب، بل لأن الولايات المتحدة طرف رئيس في هذه الحرب، وبما يمنع الصين من توسيع جبهة المواجهة معها لتشمل سورية أيضاً.
ويدلل هؤلاء على رهانهم بالقول إن سورية هي من أواخر الدول التي وقعت الصين معها اتفاقية الحزام والطريق «في كانون الثاني من العام الماضي» هذا عدا عن أن التعاون الاقتصادي الثنائي لا يٌعتدُّ به كثيراً وبما يوسع التفاؤل باتجاه أن تكون سورية محطة أساسية في «الحزام والطريق».. عدا عن أن لا نهاية واضحة في الأفق لما ستؤول إليه الأوضاع الميدانية، الحرب ما زالت قائمة، وسيسعى المحتل الأميركي إلى إطالتها قدر ما يستطيع، وعليه فإن الصين لن تخاطر ولن تغامر.
لكن الصين ردت باستقبال حافل للرئيس الأسد وبشراكة إستراتيجية، وتأكيد على أن الحضور الصيني سيكون مؤثراً في المرحلة المقبلة.
حديث الشراكة الإستراتيجية هو اقتصاد، وقبل ذلك هو في الأساس حديث جغرافيا، ولا شك أنه كان حاضراً بقوة في زيارة الرئيس الأسد إلى الصين، وهذا ما كان واضحاً في المقابلة التي أجراها مع التلفزيون الصيني المركزي ((cctv وكان فيها مساحة مهمة لأهمية موقع سورية تاريخياً ضمن الممرات الاقتصادية والتجارية العالمية، ومنها الحزام والطريق ونسخته القديمة طريق الحرير. ولا شك أن الأهم في مسألة الموقع والجغرافيا هو السيادة، من يسود الجغرافيا هو من يملك القرار، وهذا ما سعى ولا يزال يسعى إليه التحالف الأميركي الغربي، الهدف الأساسي هو سلب الجغرافيا والسيادة عليها من السوريين، وحتى اليوم لم ينجح في ذلك، ولن ينجح ما دامت سورية يداً واحدة شعباً وقيادة وجيشاً، وهذا ما أدركته الصين جيداً، السيادة على الجغرافيا لن تكون إلا للسوريين .. إذاً، لنفتح الأبواب لهم.
مها سلطان
57 المشاركات