ملف «تشرين».. كل شيء يبدأ من الطفل ومن خصوصية التنشئة الأولى.. أبناء المهاجرين في مرمى الأطماع الغربية: الكلمة لنا

تشرين – هبا علي أحمد:
قد يتخيل الكثيرون أنه بمجرد مغادرة بلدانهم، ولا سيما التي تعيش الحروب والأزمات، إلى أوروبا، فإن «أبواب الجنة ستفتح لهم»، لكن ما إن تطأ أقدامهم بلاد «الأحلام» حتى يبدأ الحلم بالتلاشي، وتتحول «الجنة» إلى «جهنم»، فالاصطدام بالواقع الثقافي والاجتماعي ومنهج الحياة يغيّر الكثير من المفاهيم لدى المهاجرين، ولا سيما إن كانوا بصحبة أطفالهم الذين تتحتم عليهم النشأة المغايرة لنشأة ذويهم، مهما حاول الأهل جاهدين الحدّ من تأثيرات الثقافة ونمط الحياة في الغرب، فحتماً الطفل سيتأثر بما يشاهد ويرى، وتالياً سيترجم ما يرى في أفعاله وسلوكه، وهنا لا يختلف عاقلان على أي مدى سينعكس ذلك سلباً على ما يفترض أن تكون عليه عاداته وتقاليده وثقافته وحتى معتقداته الدينية التي نرى أن الغرب يعمد إلى العبث بها واللعب على وترها.
«ليس كل ما يلمع ذهباً»
هذه المقولة تنطبق جداً على الحياة في أوروبا، ولا سيما إن كانت هذه الحياة تخصّ القادمين من دول الشرق الأوسط أو عالم الجنوب كما يقال، فمعهم تختلف دعاوى الحرية والديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان التي يتحفنا بها الغرب، وأدل مثال على ذلك ما تعمد إليه العديد من الدول، وتحت عين قوانينها إلى سحب الأطفال بالقوة من أهاليهم، حتى لو كانوا في الأشهر الأولى من عمرهم بحجة عدم أهلية الوالدين أو أحدهما، أو عدم مطابقة ظروف رعاية الطفل من قِبل أسرته مع «المعايير» التي تضعها تلك الدول، ولا سيما في السويد وألمانيا، إذ إن مؤسسات الرعاية الاجتماعية كـ«سوسيال» في السويد و«يوغند آمت» في ألمانيا، كلها سيئة الصيت في هذا المجال.
السؤال الذي يتبادر للذهن.. لماذا الأطفال؟ ولماذا أغلبيتهم العظمى من دول الشرق الأوسط ذات الأغلبية المسلمة على نحوٍ خاص؟ ما علاقة ذلك بالاقتصاد الأوروبي والحياة المجتمعية؟

الأطفال بيئة خصبة لزرع الأفكار والتوجّهات التي يبني عليها الغرب نمط معيشته

خصوصاً لناحية هدم الروابط الأسرية وإسقاط قيمة الأبوين تحت بند «رفاهية» الطفل

الأطفال بيئة خصبة جداً لزرع الأفكار والتوجّهات التي يبني عليها الغرب نمط معيشته، ولا سيما لناحية هدم الروابط الأسرية وإسقاط قيمة الأبوين تحت بند «رفاهية» الطفل والتأثير في المعتقدات الدينية التي تحرم بشكل طبيعي ما يحلله الغرب، وتالياً تقبل «المثلية» و«المساكنة» وغيرهما من الأمور المرفوضة دينياً لدى طيف واسع في الشرق، ويمكن أن ننطلق هنا أيضاً من صراع الحضارات أي الصراع الفكري والعقائدي والثقافي بين الشرق والغرب، إذ يعمد الأخير إلى التسلل فكرياً وثقافياً إلى بلداننا وأبنائنا، عبر الأطفال تحديداً، فإذا بقوا في أوروبا يكونون مهيئين للاندماج في الحياة الغربية بكليتها المختلفة تماماً عن مجتمعاتنا الشرقية، أي قطع ممنهج لكل ما يمت بصلة لحياة ذويهم، وإذا عادوا يوماً إلى بلدانهم يعودون بأفكارهم الغربية ذاتها، ويحاولون ترويجها في مجتمعهم الشرقي، هذا أحد الأوجه.
النقطة التي قد لا تخطر على بال أحد، وهي مخيفة إلى حدٍ ما، أن يتحول أو يحوّل الغرب هؤلاء الأطفال أو بعضهم إلى أسلحة ضد دولهم عن قصد أو غير قصد، فالعنف والجريمة منتشران بكثرة في الشوارع الأوروبية، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، وحمل السلاح مشرع دستورياً، ما قد يحول أحد الأطفال مهما كانت خلفيته الأسرية عندما يصبح شاباً إلى مجرم خطر سواء في أوروبا أو في موطنه الأصلي في حال عودته، وقد ينخرط في تنظيمات إرهابية تعمل ضد دولته الأم، ورأينا كيف عمدت التنظيمات الإرهابية المدعومة غربياً إلى تجنيد الأطفال في صفوفها واستخدامهم في القتال وتنفيذ العمليات الإرهابية.
ماذا في الاقتصاد؟
قد يبدو الأمر للوهلة الأولى أن أوروبا سئمت من كمّ المهاجرين واللاجئين الذين وفدوا إليها، واستقروا فيها، لكن الحقيقة مغايرة تماماً، إذ إن أوروبا بحاجة ماسة لهم، ولا سيما أصحاب الكفاءات والأدمغة، وكلنا يتذكر كيف أن ألمانيا في عهد المستشارة أنجيلا ميركل استقبلت اللاجئين السوريين من ذوي الكفاءات والخبرات لدمجهم لاحقاً في المجتمع الأوروبي الذي يحتاج لتحقيق نهضة اقتصادية و إنتاجية في ظل انخفاض معدل الشباب، إذ إن المعروف عن القارة الأوروبية، على نحوٍ عام، أنها قارة عجوز وتالياً انخفاض اليد العاملة القادرة على تحريك عجلة الاقتصاد وتحقيق النمو الاقتصادي بالشكل المطلوب.

في مقال نشرته صحيفة «ذي تايمز» البريطانية تحت عنوان «سرعان ما اندمجوا.. مقامرة ميركل باستقبال اللاجئين السوريين تؤتي ثمارها»، أشار الكاتب إلى أن ملايين المهاجرين الذين قدموا من بلدان مختلفة سرعان ما اندمجوا في المجتمع الألماني، وعوضوا انخفاض معدل المواليد في البلاد، لافتاً إلى أن اللاجئين أصبحوا جزءاً من القوة العاملة، وأنهم اندمجوا مع زملائهم الألمان، في ظل صغر سنهم وتمتعهم بالقدرة البدنية ومستوى تعليمهم الجيد.
وعلى نحوٍ عام، تشير المعلومات إلى ميل الاقتصادات التي ترحّب بالكثير من المهاجرين إلى الاستفادة على المدى الطويل، فمثلاً؛ المهاجرون في أمريكا هم أكثر ميلاً إلى 80٪ من الأشخاص المولودين في أمريكا لتأسيس شركة وفقاً لورقة بحثية أجراها «بيير أزولاي» من معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا وزملاؤه، و تشير الأبحاث أيضاً إلى أن المهاجرين يساعدون أيضاً في بناء روابط تجارية واستثمارية بين بلدهم الأصلي والبلد المستقبِل، كما تساعد شريحة العمال الشباب في تحقيق المزيد من الإيرادات الضريبية.

الغرب يتسلل فكرياً وثقافياً إلى بلداننا عبر الأطفال تحديداً.. إذا بقوا في أوروبا يكونون مهيئين

للاندماج في الحياة الغربية بكليتها.. وإذا عادو إلى بلدانهم يعودون بأفكارهم الغربية ذاتها ويروجون لها

ويأمل بعض الاقتصاديين أيضاً أن تكون لموجة الهجرة فوائد فورية أكثر، إذ يقول يقول «تورستان سلوك» من شركةApollo Global Management: الهجرة المرتفعة مفيدة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي؛ لأنه يحاول تهدئة سوق العمل وإبطاء التضخم.
وبذلك، نتوصل إلى نتيجة أن المهاجرين يبنون الحياة الغربية، علمياً وثقافياً واقتصادياً ومهنياً، في حين تعاني منطقتنا العربية التي خسرت ثلث طاقتها البشرية بسبب هجرة العقول والأدمغة نتيجة الحروب والأزمات والصراعات التي صنعها الغرب بطريقة ممنهجة ومدروسة، لنصل إلى ما وصلنا إليه نحن في الشرق، إذ نعاني صعوبات اقتصادية في مقابل نهضة الغرب، اقتصادياً، بعقولنا وسواعدنا، أي ما معناه أن الغرب قام أساساً على أكتاف المهاجرين.

المهاجرون والمناصب السياسيّة
وصول العديد من أبناء المهاجرين إلى المناصب السياسية العالية حتى منصب الرئاسة كما «باراك أوباما» الذي تولى رئاسة الولايات المتحدة من 2009 -2017 وهو من أصول إفريقية، و«ميشيل تامر» الذي تولى رئاسة البرازيل من 2016-2018 وهو من أصول لبنانية، و«كارلوس منعم» من أصول سورية حكم الأرجنتين 1989-1999 وأنجزت حكومته الكثير من الإصلاحات الاقتصادية، إذ كان الاقتصاد الأرجنتيني قبل مجيئه يعاني نسبة تضخم هائلة.. وحالياً رئيس الوزراء البريطاني «ريشي سوناك» من أصول هندية، هذا لا يدل على تقبّل الغرب للآخر بقدر ما يدل على حاجة شعبية داخلية للتغيير في النمط السياسي الحاكم، أي النخبة السياسية التي لا ترضي في الكثير من الأحيان المزاج الشعبي الغربي على خلفية الكثير من القضايا، من بينها الهجرة المرفوضة لدى طيف واسع من المجتمع الأوروبي.. فالعنصرية الغربية مثال، ومعاداة المهاجرين التي لم تسلم منها المملكة المتحدة مثال صارخ على عدم تقبل الآخر، فالنماذج واضحة في هذا المجال، إذ تعرض عمدة لندن صادق خان، وهو من أصول باكستانية لسيل هائلٍ من التصريحات العنصرية في بريطانيا، كما تعرضت كريستين توبيرا التي تقلّدت منصب وزارة العدل الفرنسية، وهي من أصول إفريقية للعنصريّة من صحف محسوبة على اليمين المتطرف، والتي نعتتها بأوصاف لا تليق بـ«ديمقراطية وحرية» الصحافة الغربية، وهناك الكثير من الأمثلة لا حصر لها.
بالمحصلة، كل شيء يبدأ من الطفل، ومن خصوصية «التنشئة الأولى» ومن يقف عليها، وتحت أي مبادئ وأخلاقيات وثقافات.. والأهم أي ولاءات، للغرب أم للبلد الأم؟

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. أطفال المهاجرين.. قليل يُحكى وكثير صادم يُخفى؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار