ملف «تشرين».. الفساد والروتين وعدم فهم قوانين الإدارة المحلية.. ثلاثيّة خلل حوّلت المجالس المحلية إلى “ثري يشكو الفقر”..الهروب إلى الذرائع خيار جاهل ومظلة فاسد
تشرين- زهير المحمد:
عمل المجالس المحلية عملاً إستراتيجياً فعالاً ومكملاً لعمل الجهات العامة التنفيذية على كل مستوياتها، وخاصةً أنها منتخبة من المواطن وهي الأقرب إلى همومه ومتطلباته الخدمية في وحدته الإدارية، حيث يفترض أن تحقق إرادته وتنطق بلسان حاله، لكن للأسف فإن مسيرة تلك المجالس تضمّنت بعض السلبيات، سواء المتعلقة بأسباب فنية بحتة، أم لأسباب شخصية تمس نزاهة الأعضاء، أو لأسباب إجرائية تعود إلى ضعف ثقافة الرقابة والشكوى والنفع العام في المجتمع عموماً.
وفي محاولة منها لمعرفة العوائق التي تقف في وجه استثمار هذه الوحدات لمواردها، حاورت “تشرين” عدداً من المختصين لتشخيص تلك العوائق بشكل دقيق، والوقوف على مقترحاتهم للوصول إلى الحلول المثلى، وفي السياق أوضح عضو مجلس الشعب الدكتور محمد خير عكام أنه توجد في سورية 4 وحدات إدارية تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، وهي مسؤولة عن تنمية مجتمعاتها ولها القيام بكل الاستثمارات اللازمة لذلك، لكن هذا يتطلّب وجود المال اللازم، بمعنى وجود الإيرادات الكافية لهذه المجالس؛ لذلك فإن قانون “المالية في الإدارات المحلية” الذي صدر مؤخراً يلعب دوراً إيجابياً في تأمين المال اللازم.
عكام: للمجالس المحلية أملاك كبيرة وأحياناً تكون غير قادرة على استثمارها بالشكل الأمثل
وأشار عكام إلى أن للمجالس المحلية أملاكاً كبيرة، وأحياناً تكون غير قادرة على استثمارها الاستثمار الأمثل، وذلك بسبب وجود المنظومة القانونية المعوقة، كقانون العقود وغيرها، ونقص الملاكات الإدارية اللازمة لذلك، ناهيك بضرورة وجود المهارات المالية والقانونية اللازمة لذلك، والمنظومة القانونية والمالية المعطاة لهؤلاء، بمعنى من الذي من الممكن أن يعمل مع هؤلاء برواتب متدنية للغاية؟ وهذا صعب للغاية فلديهم نظم مالية خاصة بهم.
ولفت عكام إلى أنه علينا أن نراجع ما تمتلكه هذه الوحدات الإدارية من أملاك عامة، والإضاءة على الاستثمارات التي يمكن أن تنفذها هذه الوحدات بنفسها أو بوساطة المستثمرين من القطاع الخاص، موضحاً أنها أحياناً تفتقد المهارات القانونية اللازمة لإبرام العقود والإشراف على تنفيذها، مضيفاً: إن التضخّم أحياناً يلعب دوراً في تدني إيرادات هذه الوحدات، فمثلاً «اليوم تعمل الوحدات عقداً لمدة 10 سنوات، والبدل السنوي الذي تحصله يصبح لا معنى له أمام موجات التضخّم الكبيرة الحاصلة، وبالتالي تضطر لفسخ العقود، وتالياً هذا يؤدي إلى عدم طمأنينة القطاع الخاص».
وتابع: إضافةً إلى أن الجهات المشرفة يجب أن تتوفر فيها هذه المهارات، فإن ما تعانيه المجالس الأدنى لا تعانيه المجالس الأعلى، وبالتالي إذا أردنا أن نتحدث عن الفساد أو البيروقراطية فهي سلسلة موجودة في كل المجالس، لذلك فإن قانون الإدارة المحلية بحاجة لمراجعة كلّية وتوزيع «الملاكات» بحاجة لوضع أنظمة مالية خاصة فيها، ووضع نظام عقود خاص ونظام عاملين يتناسب مع قيم الأجور العادلة في ظلّ تذبذب قيمة الليرة السورية في السوق الموازي.
عكام: الفساد أو البيروقراطية سلسلة موجودة في كل المجالس
وأوضح عكام أن القانون منح سلطة على الوحدات الإدارية، والمصادقة على العقود تكون قانونية، فالجهات الإشرافية لا تصدّق من الناحية الاقتصادية وإنما من الناحية القانونية ومدى مطابقة هذه العقود للنصوص القانونية، فالرقابة المالية موجودة في كل وقت ومتاحة للمجالس الأعلى وللجهات الرقابية “الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش”، متسائلاً: “من الذي يمنع الجهات الرقابية من القيام بدورها لتراقب كل عقد على حدة؟ لا شيء يمنعها”.
ولتفعيل دور الوحدات الإدارية والحدّ من أوجه الفساد الذي يمارسه بعض الأعضاء، طالب الدكتور عكام بضرورة إعادة النظر بالمنظومة القانونية والإدارية والمالية، وعدم ترك عملها بهذه الطريقة، من دون رقابة فعالة، إذ لا يكفي أن تكون هناك نصوص، لابدّ من تفعيل الرقابة على كل عقد تنظمه الوحدات الإدارية، إضافةً إلى إيجاد الكوادر اللازمة، معتبراً أن هناك أشخاصاً ممن يتم انتخابهم لتمثيل المجالس المحلية يكونون بعيدين كل البعد عن المهام الملقاة على عاتقهم بموجب القانون، وبالتالي يجب تعديل القانون لوضع شروط لترشّح أعضاء المجالس المحلية.
وللاطلاع على المهام المنوطة بالوحدات الإدارية من المواطنين، طالب عكام بضرورة نشر توعية قانونية بقانون الإدارة المحلية للإضاءة على مهامها.
تدرج السلطة
بدوره، أكد المحامي وسام كريم الدين – رئيس مركز الوفاق للتوفيق والتحكيم التجاري- أن المرسوم التشريعي للإدارة المحلية رقم 107 لعام 2011 نظّم عمل مجالس الإدارة المحلية، معتمداً على نظام تدرّج سلطة هذه المجالس حسب حجم الوحدة الإدارية، حيث تتّبع في إصدار القرارات وممارسة نشاطها نظاماً هرمياً يبدأ من أصغر مستويات الوحدة الإدارية، مثل المزرعة والقرية وصولاً إلى مجالس المحافظة، مضيفاً: اعتمد المرسوم باختيار أعضاء المجالس على الانتخاب من أبناء الوحدة الإدارية ذاتها، موجهاً إياهم لتمثيل جميع فئات المجتمع المحلي ضمن هذه المجالس من صغار الكسبة والفلاحين والتجار والمهن الفكرية، حيث يكون كل مجلس معبّراً عن النمط الاجتماعي للوحدة ذاتها.
قانون الإدارة المحلية بحاجة لمراجعة كلّية وتوزيع الملاكات بحاجة لوضع أنظمة مالية خاصة فيها
وأشار المحامي كريم الدين إلى أنه تم تحديد الاختصاص وصلاحيات كل مجلس بما يخدم حاجات الوحدة الإدارية ذاتها، ولعل الكثير من الظروف المحلية والخارجية في الفترة السابقة وتنقّل الأفراد بين المناطق المختلفة أثّرت في عمل المجالس المحلية وتشكيلها، ولم تمنحها المناخ الملائم للعمل، وبالتالي لقياس التجربة وتقييمها في الفترة السابقة، مشيراً إلى أن المرحلة القادمة قد تحمل مناخاً أكثر استقراراً يعزز إمكانية تفعيل دور المجالس المحلية بشكل أكبر .
المحامي كريم الدين: تدريب أعضاء المجالس على المسائل القانونية التي تتقاطع مع عملهم
وأوضح المحامي كريم الدين أنه بمراجعة اختصاصات المجالس المحلية على مختلف مستوياتها نجد أن جزءاً مهماً من نشاطها يرتبط بمسائل قانونية، مثل منح التراخيص ومعالجة الشكاوى، مردفاً: أعتقد أنه من الأفضل تدريب أعضاء هذه المجالس على المسائل القانونية التي تتقاطع مع عملهم، ورفد المجالس بخبرات قانونية تساعدها في ضبط عملها لتصل إلى أهدافها المنشودة التي قررتها المادة الثانية من قانون الإدارة المحلية.
اقرأ أيضاً: