الحكمة.. من المعرّي إلى «كو أون»!!
أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعى التنوخى المعري المعروف بـ«أبي العلاء المعري» (973 -1057م)؛ هو شاعرٌ ومفكر و نحوي عاش طويلاً شاعراً على حدود الفلسفة، زمن عصر الدولة العباسية, وقد ولد، وتوفي فى معرة النعمان التي كان نسبه إليها في محافظة إدلب.. ومن ألقابه أيضاً «رهين المحبسين» ويُقصد بهما محبس العمى، ومحبس البيت، إذ يُحكى أنه اعتزل الناس بعد ما رجع من بغداد إلى حين وفاته.
على المقلب الآخر من هذا الكون، وبعد زمن طويل كثيراً على ولادة المعري، ولد الشاعر الكوري (كو أون) سنة 1933 في «جونسان» في مقاطعة تشولا الشمالية لعائلة من الفلاحين في كوريا الجنوبية، وقد عانى أثناء الحرب الكورية سواء ضد الاحتلال، أو ضد الانفصال، ما دعاه ليصبح كاهناً بوذيّاً من طائفة الزن، وكان نشر أولى قصائده سنة 1958، وبعدها بسنوات قليلة عاد إلى العالم مجدداً ليصدر أول كتبه سنة 1960، فيصبح صوت الصراع من أجل الحرية في السبعينيات والثمانينيات، وهو صراع أوقعه في براثن السجن مراراً، ومن ثم كان هذا النتاج الذي فاق الـ« 150» كتاباً تُرجمت مؤخراً مختارات من أعماله إلى أكثر من «14» لغة، وتأتي مختارات « ألف حياةٍ و حياة» المجموعة الأولى له في اللغة العربية.
ورغم المسافة المكانية والزمنية بين (كو أون) وشاعر الفلاسفة العرب أبي العلاء المعري، فثمة ما يُلفت في التأمل الذي يكاد يكون القاسم المشترك لمجيء قصيدة مملوءة بالحكمة ذاتها تقريباً.. هنا لننظر إلى قصيدة «طمي» لـ(كو أون) التي يذكر فيها:
« لو أنك إنسان، إنسان، أو حيوان،
فأنت بالتأكيد مخلوقٌ من طمي.
فاسمع جيّداً.. هل تسمع
خفق النبضات داخل الطمي؟!
مرةً كل شهر على الأقل،
تمدد على الأرض واستمع جيداً؛
تسمع صوت جدّك يدقُّ مثل جرس
داخل هذا الطمي .؟»
أما شاعرنا أبو العلاء المعري، فيطلب هو الآخر من المارين أمامه الهدوء في خبط أقدامهم، فما أديم هذه الأرض إلا من أجساد أسلافنا، و من ثم فلنمشِ الهوينى حتى لا نزعج من لاتزال نبضاتهم تخفق أديم التراب الذي منه ولدنا، وإليه نعود:
صَــاحِ هَــذِهْ قُــبُــورُنَــا تَــمْـلَأُ الـرُّحْـ
ـبَ فَــأَيْـنَ الْـقُـبُـورُ مِـنْ عَـهْـدِ عَـادِ؟
خَــفِّــفِ الْــوَطْءَ مَــا أَظُــنُّ أَدِيــمَ الْـ
أَرْضِ إِلَّا مِــــنْ هَــــذِهِ الْأَجْــــسَــــادِ
وَقَـــبِـــيــحٌ بِــنَــا وَإِنْ قَــدُمَ الْــعَــهْـ
ـدُ هَـــــــوَانُ الْآبَــــــاءِ وَالْأَجْــــــدَادِ
سِـرْ إِنِ اسْـطَـعْـتَ فِـي الْهَوَاءِ رُوَيْداً
لَا اخْــتِــيَــالاً عَــلَــى رُفَـاتِ الْـعِـبَـادِ
رُبَّ لَــحْــدٍ قَــدْ صَــارَ لَــحْــدًا مِـرَاراً
ضَـــاحِـــكٍ مِــنْ تَــزَاحُــمِ الْأَضْــدَادِ
وَدَفِـــيـــنٍ عَــلَــى بَــقَــايَــا دَفِــيــنٍ
فِــــي طَـــوِيـــلِ الْأَزْمَـــانِ وَالْآبَـــادِ