ميشيل كلاغاصي
اثنا عشر عاماً للحرب الكونية على سورية بكل أركان الدولة ومكوناتها, حربٌ استهدفت الأرض والإنسان على حدٍّ سواء, نالت فيها الهوية السورية النصيب الأكبر من الاستهداف, الذي لم يقلُّ ضراوةً عن استهداف الأرض والدولة والشعب ..
حربٌ “بشَّر” الأمريكيون بطولها وامتدادها ثلاثين عاماً , يتكشف من صفحاتها يوماً بعد يوم, إصرارهم على متابعتها , وعدم اكتفائهم بنتائجها الميدانية التي تؤكد يوماً بعد يوم اتجاه الدولة السورية نحو النصر النهائي, المحاولات مستمرة, وكذلك الاحتلال والإرهاب, والخطط العسكرية والسياسية والحصار الاقتصادي, والخطط البديلة حاضرة دائماً ومن دون توقف.
الأمر الذي يدفعنا للسؤال: متى ستتوقف الحرب ، وهل نحن ماضون في الصمود إلى اللانهاية ؟ وإلى تحقيق الانتصار الكبير من خلال المواجهة العسكرية المباشرة فقط , بالاعتماد على مقدراتنا ومصادر قوتنا الذاتية, وقوة جيشنا الباسل، مهما كان حجم الدعم الذي يقدمه شركاؤنا وحلفاؤنا وأصدقاؤنا الأوفياء.؟
بات واضحاً أن كسب المعركة يحتاج فائضَ قوةٍ تظهره الدولة السورية , يفرض على أعدائها قبولهم بالهزيمة والاعتراف بهزيمة المشروع الصهيو- أمريكي , الهادف للهيمنة المطلقة على المنطقة والعالم, والذي تحطم بفعل مقاومة مشروع المقاومة الذي تشكل فيه سورية رأس الحربة والقلعة الأولى.
إلّا أنه بات من الضروري اعتماد سورية على نقل المعركة إلى خارج حدودها, وإلى حيث يجب أن تكون, وأن تدفع بـ “طاقتها الكامنة ” التي تتمثل بسوريي الخارج, الذين يُعدّون بالملايين, فأساس الصراع والحرب هو ذاك الكيان السرطاني الغاصب الذي تمت زراعته في الجنوب السوري, بعد أن حوَّله الصهاينة من فكرةٍ إلى هدف.. ولا يزال الغرب يُقدم لسلطات الكيان الغاصب الدعم السياسي والعسكري والبشري والمالي والإعلامي .
وانطلاقاً من هذا, نجد أن ما تعرضت له سورية خلال القرن الماضي وحتى ما قبل 2011 , يعدّ مواجهة ذيل الأفعى لا رأسها, وتحول منذ اثني عشر عاماً إلى مواجهة مزدوجة مع الأفعى وعشرات الأذيال .
إن طبيعة الصراع الوجودي القائم وأخطاره وتداعياته , تفرض العمل على منحيين وهدفين أساسيين لتعطيل الدعم الذي يوفر للكيان الغاصب حول العالم, وبتفعيل العلاقة بين سوريي الداخل و الخارج على كل المستويات والصعد..
فالثابت الأكيد أن لا سلام مع الكيان, المهيمن على القرار السياسي للولايات المتحدة, وخاصةً ما يتعلق بالشرق الأوسط .. وبالتالي فإن الصراع المباشر مع كيان الاحتلال هو جزءٌ من الصراع مع “المؤسسة الإسرائيلية “نفسها, وأن اندحارها هو السبيل الوحيد للانتصار, وتفكيك كل الأسس التي تدعم قيام الكيان على أرض فلسطين المحتلة, واستعادة الحقوق العربية. . إن أسباب تواجد السوريين خارج وطنهم يعود لسنواتٍ طويلة , ناهيك بمن خرجوا مؤخراً بسبب الإر*ه*اب والحرب, لكن العامل المشترك هو نفسه, تلخصه الحروب بخلق أسبابٍ سياسية واقتصادية, أفضت إلى تهجيرٍ ممنهج, خطط له أعداء سورية, ووضعوه على لائحة أهدافهم الرئيسة.
لقد استطاع اليهود الصهاينة أن يُنشئوا ما يمكن تسميته ” المؤسسة الإسرائيلية ” حول العالم, والتي يقزّمها البعض بإطلاقهم عليها تسمية “اللوبي”, فقد ثبت أن داعميها ليسوا من اليهود فقط, وأن بينهم من كان يرفض فكرة ” إسرائيل” أمثال موشي مناحيم ونعوم تشومسكي, وحركات دينية كـ ” ناطوري كارتا ” , وعليه تبدو كلمة لوبي وصفاً غير دقيق وبعيداً عن الحقيقة, ولا تعبر عن تنوع وتشابك مكونات “المؤسسة الإسرائيلية”,على الرغم من وحدة أهدافهم .
وإذ تضم هذه المؤسسة عدداً كبيراً من المنظمات والجمعيات والاتحادات ومراكز الأبحاث وغيرها, فبعضها يهودي صهيوني” كالمؤتمر الصهيوني العالمي”, وبعضها يهودي لا يعلن عن صهيونيته كمؤسسة “أبناء الميثاق” , والتجمعات المسيحية المتصهينة كالمحافظين الجدد, والتجمعات الإسلاموية المتصهينة كحكام بعض الأنظمة العربية .. حيث تختص كل منها بنوعية الخدمات التي تقدمها للمؤسسة الاسرائيلية, كالنشاط السياسي والإعلامي, وأعمال العنف والإر*ه*اب” كعصبة الدفاع اليهودية”, والنشاطات التجارية والمالية لدعم إنشاء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية والجولان السوري المحتل “الصندوق الوطني اليهودي”, وغيرها من النشاطات المعلنة. أما الأوجه المستترة لبعض الفروع فتتجلى في المافيا اليهودية – الأمريكية , والمافيا اليهودية – الأوروبية عموماً, التي تختص بإدارة نوادي القمار والمخدرات وتبييض الأموال وتجارة الرقيق الأبيض والاحتيال وإدارة الدعارة المنظمة, ناهيك بشبكات الموساد وأعمال التجسس والاغتيالات, وتجارة السلاح, وشركات إنتاج وتصدير القتلة كشركة بلاك ووتر .
و تبدي كل مكونات المؤسسة الإسرائيلية ولاءها المطلق “لإسرائيل” بغية تحقيق الأهداف الصهيونية في العالم, وتقدم دعمها الإعلامي والسياسي والعسكري والاقتصادي, والمالي بما يتجاوز ما هو معلن بكثير.. ومن هنا تبرز أهمية معركتنا الخارجية, التي لا تقل أهميةً عن المواجهة المباشرة ومقاومة المشاريع التي تستهدف سورية.
إن هجرة السوريين خارج وطنهم تعود للعام 1820 وتفاقمت عام 1918 بفعل الاحتلال العثماني, وما تذرعت به دول الاستعمار القديم الفرنسي والبريطاني, فكان هجرة ما يقارب ثلاثة ملايين سوري توزعوا في أمريكا ودول أمريكا اللاتينية وأوروبا, في الوقت الذي كان يتواجد فيها أكثر من ستة ملايين يهودي, عاشوا فكرة إنشاء وإقامة “الدولة اليهودية”, وكرّسوا كل طاقاتهم لهذا الهدف, ولم يتوانوا عن الهجرة نحو الأراضي الفلسطينية .
إن تركيز القائد المؤسس حافظ الأسد على القلب السوري الذي يحمل العروبة والقضية الفلسطينية, نهجاً واستراتيجيةً, نبع من استشعار خطر مشاريع الأعداء على سورية.
لا بدّ من مضاعفة التركيز على الهوية السورية, وإلاّ ستبقى مواجهة العدو ناقصة ومشتتة ومن دون جدوى, إذ يجد اليهود في المؤسسة الإسرائيلية مرجعيةً تنظم وتقود جهودهم, أما السوريون في المهجر فلا بدّ لهم من مضاعفة نشاطاتهم المختلفة, والاستفادة من جهود وزارة الخارجية والمغتربين, ومحاولاتها المستمرة لبناء الجسور وتوحيد جهود مواطنيها في الخارج مع الداخل .
من الأهمية بمكان, أن تساهم الجهود الشعبية والفردية الذاتية للسوريين في الخارج بفعالية كبيرة, بدعم الشعور بالانتماء والتمسك بالهوية الوطنية والجذور السورية… ولا بدّ من دعوة وتشجيع أبنائنا على العودة خصوصاً من غادروا خلال السنوات الأخيرة , والذين يحز في نفوسهم ابتعادهم عن الوطن , ليضعوا حداً لمعاملتهم كمسروقات بشرية فكرية وأيدٍ عاملة وسلعٍ في بازاراتٍ سياسية يستغلها الأعداء, كالعدو التركي الذي لم يتوقف عن استخدام المهاجرين واللاجئين السوريين أوراقاً إعلامية وسياسية, وذرائع لاستمرار عدوانه على سورية, ومحاولاته الحالية لتمرير مخططاته الخبيثة تحت عنوان مشروع عودة مليون مواطن سوري إلى مناطق سيطرة قوات احتلاله وإره*اب*ييه ومرتزقته , في الوقت الذي قام فيه بمنح أعداد كبيرة الجنسية التركية, لاستخدامهم في انتخاباته القادمة, وسرقتهم بما يملكون من أموال, وشهادات علمية ومهارات مهنية .. مع كل الإجراءات والتسهيلات التي تقدمها الحكومة السورية, ومراسيم العفو التي أصدرها الرئيس بشار الأسد, نتمنى أن نرى عودة أبنائنا في المهجر ودول اللجوء, للانتظام في خنادق الوطن والمساهمة في إعادة الإعمار ، وأن يتبنى من يبقى في الخارج, معادلة “كل مهاجر سفير”, ويحوّلها إلى معادلة “كل سوري مهاجر..جندي” , كي نستطيع استثمار طاقتنا الكامنة خارج الحدود, وإضافتها إلى الطاقات الداخلية, الأمر الذي سيمنح سورية فائض القوة الذي تحتاجه, للإسراع بتحقيق الانتصار الكبير والكامل .