ما أفسده أردوغان
مع استمرار التهاوي الحاد لليرة التركية إلى مستويات قياسية منخفضة، تتفاقم حدة الأزمة الاقتصادية، التي تعصف بتركيا منذ نحو ثلاثة أعوام، خاصة مع إصرار رئيس النظام التركي رجب أردوغان على التمسك بتخفيض الفائدة متجاوزاً الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها الأتراك، بسبب تدخلاته وسياساته الاقتصادية التي لا تحتكم إلى أيّ منطق.
بين رعب وحيرة، انقسم الأتراك وهم يقفون على شفير الهاوية الاقتصادية يراقبون انخفاض الليرة وارتفاع التضخم إلى ٢٠% مصحوباً بارتفاع تكاليف المعيشة، في الوقت الذي يتصاعد فيه غضب الشارع مع تضاؤل صبره على أضرار الحرب الاقتصادية التي يخوضها أردوغان بتكلفة المعيشة، والاستخفاف بمعاناة الأتراك، خاصة بعد أن خرج زلفو دميرباغ أحد أعضاء البرلمان من حزب العدالة والتنمية، مقترحاً “أن يتناول الناس طعاماً أقل” لمواجهة الأزمة الاقتصادية!.
لم يعد خافياً على أحد أن أردوغان رغم المكابرة التي يبديها من جهة، ومسرحيات تحميل انهيار الليرة وتبعاته “لأيادٍ خارجية” وفتحه تحقيقاً في “تلاعب محتمل بالعملة” من جهة أخرى، يعيش أياماً صعبة، فعلى إيقاع تهاوي شعبيته إلى أدنى مستوياتها، بدأ الجميع ينفض من حوله بسبب عدم الرضا عن سياساته، والذي امتد من الشارع حيث بات مؤيدوه أقلية، إلى مراكز النفوذ القوية، وفي مقدمتها قيادات في الجيش التي لم تعد راضية عن التدخلات الخارجية والتي لم تجلب أيّ مكاسب لتركيا، بل على العكس أفضت إلى عزلة وتوتر في علاقاتها الإقليمية والدولية.
تراجع شعبية أردوغان وعدم الرضا عن سياساته ليس أسوأ السيناريوهات التي يعيشها أردوغان الذي إذا استمر في سياسته الاقتصادية المدمرة فإنه سيواجه الأصعب وهو أن يسحب الجيش أو الجهاز الأمني الثقة من التحالف الحاكم ودعم صفوف المعارضة للمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة.
هذا إن لم يبادر حزب “الحركة القومية” سلفاً إلى الانسحاب من التحالف للحيلولة دون تحميله مسؤولية فشل سياسات أردوغان ومعاقبته شعبياً كما حصل في الانتخابات البلدية.
لكن السيناريو الأكثر إيلاماً لأردوغان، سيكون من داخل حزبه “العدالة والتنمية” الذي يستشيط غضباً من أداء أردوغان المتهم بأنه خاض معاركه الشخصية على حساب سمعة الحزب الذي تراجعت شعبيته، وعليه فقد يشهد الحزب موجة استقالات جديدة لقياديين، نواب في البرلمان، لا يرغبون في البقاء على متن سفينة نظام أردوغان وهي تغرق.
إذا اعترف أردوغان بأزماته أو أصر على نكرانها قافزاً فوق الحقائق والوقائع، فإن النتيجة واحدة وهي أنه يخسر ما تبقى له من شعبية خجولة، ويراكم أزماته وسط تحرك شعبي بدأت طلائعه بالظهور الأسبوع الماضي في اسطنبول عندما نزل آلاف المتظاهرين إلى الشارع رفضاً لسياسة أردوغان.
التحرك الشعبي الذي يدعم موقف أحزاب المعارضة المطالب بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتردي.
ومن المتوقع أن تلقى مطالبة المعارضة دعماً واسعاً لدى الطبقة السياسية والمجتمع المدني وأغلبية الشارع التركي، على أمل ربح الوقت لإجراء إصلاحات عاجلة تعيد التوازن للاقتصاد التركي وتصلح قدر الإمكان ما أفسده أردوغان.