“عنتريات” أمريكية
مجدداً، يخرج وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن على حلفاء بلاده ليؤكد التزام واشنطن بالشرق الأوسط، في رسالة طمأنة للحلفاء الذين بات توجسهم فاضحاً إزاء تراجع المظلة العسكرية الأمريكية عنهم، خاصة بعد الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية من أفغانستان، وتحوّل اهتمام الإدارة الأمريكية بشكل متزايد نحو مواجهة الصين، بالتوازي مع عقد جولة مفاوضات جديدة في فيينا ٢٩ الشهر الجاري، لإحياء الاتفاق النووي.. رسالة الطمأنة القديمة الجديدة، جاءت على لسان أوستن خلال حضوره منتدى في البحرين، إذ قال: “التزام أمريكا بالأمن في الشرق الأوسط قوي ومؤكد.. نحن ملتزمون بالدفاع عن أنفسنا ومصالحنا وهذا يشمل شركاءنا أيضاً”.. من دون أن ينسى، جرياً على عادة أمريكية، أن يتبع رسالة طمأنة الحلفاء برسالة تهديد لإيران، بقوله: “واشنطن على استعداد للجوء إلى خيار عسكري في المنطقة إذا لزم الأمر”، في إشارة إلى فشل المفاوضات في فيينا.
بعيداً عن رسائل التهديد التي اعتادت واشنطن على إطلاقها قبل أي جولة مفاوضات طمعاً في كسب تنازلات من المفاوض الإيراني، لم تنل منها شيئاً، كنا سنصدق المرونة و”حسن النية” التي روّج لها المسؤولون الأمريكيون وهم يعلنون عن مشاركة واشنطن في الجولة القادمة من المفاوضات بطريقة غير مباشرة، والتي كان آخرها قول أوستن “سنشارك في المفاوضات غير المباشرة بنية طيبة”، لولا أنه اتبعها سريعاً بقوله: “لكن إذا لم تكن إيران مستعدة للمشاركة بجدية، فسننظر في جميع الخيارات الضرورية للحفاظ على أمن الولايات المتحدة”.
بعنتريات خاوية وعبارات فضفاضة، قفز أوستن على الوقائع وتجاوز الحقائق التي تعرفها واشنطن جيداً كما يعرفها المجتمع الدولي، ناسياً أو متناسياً أن بلاده هي التي انسحبت من الاتفاق النووي، وانتهكت القرار الدولي ٢٢٣١، وأعادت فرض العقوبات على إيران بشكل أوسع!.
بين رسائل طمأنة وتهديد، أفرغ أوستن ما في جعبته خلال جولته الخليجية، من دون أن يقدّم أي التزامات جديدة لحلفاء واشنطن في المنطقة، فيما تلقف الحلفاء الخليجيون التطمينات الأمريكية بترحيب مشروط مدفوع بالهواجس، بأن تقترن الأقوال بالأفعال، إذ قال مدير مخابرات النظام السعودي تركي الفيصل خلال المنتدى البحريني: “إن الأفعال على نفس الدرجة من الأهمية”.
وعليه، فإن ما تقوم به واشنطن وحلفاؤها من تصعيد في محاولة للي الموقف الإيراني الصلب والواضح منذ البداية، بأنه لا عودة للاتفاق النووي من دون الرفع الكامل للحظر غير القانوني عن إيران، لن يفضي إلى أي نتيجة تتطلع إليها واشنطن وحلفاؤها، ولو كانت الضغوط ورسائل التهديد تجدي مع إيران ما كان مسار مفاوضات إحياء الاتفاق النووي لا يزال مضبوطاً على إيقاع الموقف الإيراني.