لنراقب هاريس!
طويلة هي زيارة كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي إلى فرنسا، بدأت أمس الأول الثلاثاء وتنتهي بعد غدٍ السبت، عنوانها «استكمال المصالحة» وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين واشنطن وباريس، بعد أزمة اتفاق أوكوس.
أمران لافتان في هذه الزيارة، الأول أنها طويلة، والثاني هو جدول أعمالها المتضمن الكثير من النشاطات والزيارات والفعاليات، بعد لقائها مع الرئيس ماكرون أمس، والذي لم يخرج عنه إلا ما كان متوقعاً حول ضرورة تجاوز اتفاق أوكوس وبدء عهد جديد لن تكون فيه فرنسا إلا راضية.. أما كيف ستكون راضية فهذا يحتاج إلى مزيد من الوقت لمعرفته، وبالإمكان هنا توقع كل شيء، في ظل خريطة التحالفات الدولية الجديدة التي تعمل عليها واشنطن.
بكل الأحوال، لنعد إلى ما هو لافت في الزيارة، حيث إن طولها وجدول أعمالها يظهرانها وكأنها «زيارة دولة» إذا ما جازت التسمية، بمعنى أن الرؤساء فقط هم من درجت العادة أن يقوموا بمثل هذه الزيارات.. صحيح أن هاريس هي نائبة الرئيس الأميركي، ولكن في هذه الزيارة تبدو أكثر من ذلك (حتى لا نقول تبدو وكأنها الرئيس). إذ يُفترض أن لقاء ماكرون مع بايدن في 29 تشرين الأول الماضي قد أزال 99 بالمئة من الغضب الفرنسي بسبب اتفاق أوكوس، ولم يبق إلا «رتوش» لا تحتاج إلى زيارة من مستوى نائب الرئيس الأميركي.. كما أن ما يُقال حول مسألة تقديم الدعم الأميركي لفرنسا في المؤتمر الذي تستضيفه يوم غد الجمعة حول ليبيا، لا يحتاج إلى زيارة بهذا المستوى، فهذا كله يُنجز في يوم واحد وليس في أربعة أيام، كما يمكن لوزير الخارجية أن يقوم بالمهمة.. إذاً ماذا وراء الأكمة؟
في الداخل الأميركي.. هذه الزيارة تغذي المتداول، بصورة كبيرة، بأنه في مرحلة ما، سيتم استبدال بايدن بـ هاريس. ولنلاحظ هنا أن الحديث عن تنحي أو تنحية بايدن بدأ مبكراً جداً، بايدن لم يكمل عامه الرئاسي الأول، بل إن خصومه الجمهوريين يتحدثون عن هذا الأمر منذ فوزه واختياره هاريس نائبة له، وهناك حديث واسع عن أن بايدن يعاني صحياً للاستمرار في ولايته، هذا عدا عن وضعه المخزي في استطلاعات الرأي.
دولياً، يبدو أن زيارة هاريس لباريس تتجاوز موضوع المصالحة أو دعم مؤتمر ليبيا. هناك حديث عن أن لفرنسا دوراً مهماً في خريطة تحالفات أميركا الجديدة، لذلك هي تكثف من النشاطات باتجاهها لاستقطابها بعيداً عن أوروبا، ليكون حالها حال بريطانيا.
الولايات المتحدة تعمل اليوم على تشكيل أوروبا جديدة، تماماً كما شكلتها بعد الحرب العالمية الثانية، وفرنسا، كما يبدو، مُرحبة ومُتحمسة.