لا ينام السوريون على خبر جريمة قديم، فجرائم القتل انتشرت بين أفراد الأسرة الواحدة وبطرق وصل فيها العنف حد التوحش.
«تشرين» تواصلت مع أستاذ العلاج النفسي في كلية التربية بجامعة دمشق أ. د. رياض العاسمي لمعرفة كيفية قراءته أسباب انتشار هذه الظاهرة غير المألوفة في المجتمع السوري وكيفية مواجهتها.
د. العاسمي وصف ما يحصل بالسلوك المدمر للعلاقات والقيم الاجتماعية والمنافي لعادات وتقاليد المجتمع، وأنه قد نسمع من خلال وسائل الإعلام أن أخاً يقتل أخاه أو أخته، أو أن يقتل الفرد أقاربه أو زوجته بدوافع غير مسوغة وناتجة في الأغلب عن شخصية غير متزنة نفسياً وانفعالياً.. وهذه السلوكيات لها أسبابها العديدة المتمثلة في عدم الضبط الانفعالي في التعامل مع الموقف الحاصل بين الفرد والآخرين، إضافة إلى غياب الوازع الأخلاقي لدى الفرد، ومعاناته من مشكلات نفسية متعددة، وإشباع رغباته واحتياجاته غير المشبعة عن طريق استخدام القوة والعنف الشديد بحق الآخرين.
وأضاف د. العاسمي: إن ما نلاحظه من هذه السلوكيات المدمرة للذات والآخرين يعكس انخفاضاً في مستوى القيم الأخلاقية، فالمشكلة في هذه السلوكيات لدى بعض الأفراد ناجمة في الغالب عن اضطراب نفسي، كالقلق والاكتئاب والإحباط الشديد، وغياب الشعور بالذنب، مع التلذذ بإهانة الآخرين من خلال إطلاق النار عليهم وقتلهم، أو هو تعبير عن اضطراب في الهوية الذاتية والاجتماعية، أو شخصية تجسد سلوكيات سلبية لأشخاص عدوانيين، حيث يقوم الشخص باستخدام هذا السلوك لإظهار عدم قدرته على التعامل مع الموقف بحكمة، بل التعامل معه بشخصية مضطربة نفسياً وانفعالياً.
الأسباب
عن أسباب انتشار مثل هذه السلوكيات قال د. العاسمي: إن انتشار مثل هذه السلوكيات العدوانية في المجتمع السوري يمكن رده إلى مجموعة من العوامل:
مظاهر السلوكيات العدوانية، التي ظهرت في وسائل الإعلام المختلفة خلال سنوات الحرب على سورية، جعلت كثيراً من ضعاف النفوس يتقمصون هذه السلوكيات ويقومون بها ضد الآخرين بدم بارد، من دون أي اعتبار للعقوبة الناجمة عن هذا السلوك، إضافة إلى توفر السلاح بأيدي بعض أفراد المجتمع، الذي قد يتم استخدامه لتحقيق دوافعهم السلبية ضد الآخرين.
وأكد د. العاسمي أن السلوكيات العدوانية والعنف غير المسوغ بحق الآخرين غالباً ما يكثر في المجتمعات التي تعاني من أزمات اجتماعية وأخلاقية، لذلك يتقمص الفرد المحبط نماذج من تلك السلوكيات عن طريق المحاكاة لتلك السلوكيات من خلال وسائل الإعلام المختلفة. وهنا ينبغي البحث عن الأسباب النفسية والاجتماعية لدى الشخص الذي يقوم بهذه السلوكيات للحد منها، وذلك من خلال التسامي بتلك الدوافع السلبية واستبدالها بدوافع أكثر إيجابية لإعادة التوازن الصحي بين الذات والآخرين.
ما الحل؟
ويؤكد الدكتور العاسمي حول كيفية التعامل مع السلوك العدواني أو العنيف في العلاج أنه لا يمكن أبداً القضاء على السلوك العدواني في كل مجتمعات العالم، لأن هذا السلوك يعد جزءاً من الطبيعة البشرية، ولكن يمكن السيطرة عليه من خلال توجيهه والسعي لتحقيق الإشباع الذاتي، وتنمية سمات الشخصية الإيجابية، وتعزيز التفاعل والعلاقات الاجتماعية المبنية على الاحترام المتبادل، فقد تكون العديد من أنواع العلاج المختلفة مفيدة في علاج السلوك العدواني أو العنيف، اعتماداً على أسباب ودوافع هذا السلوك الإجرامي غير المسوغ، لأن هذا يخفف الأحقاد الشخصية وانفعالات الغضب، واستكشاف آليات التكيف المختلفة لتوجيه الأفكار والمشاعر المرتبطة بالسلوك العنيف نحو سلوكيات إيجابية في التعامل مع المواقف الضاغطة. وعندما يتم التعبير عن هذه المشاعر الإيجابية، فقد ينخفض مستوى السلوكيات العدوانية لدى أفراد المجتمع، كما يمكن الحد من هذه السلوكيات من خلال إقامة ورشات عمل في المدارس والجامعات والمراكز الثقافية، إضافة إلى ندوات فكرية تعقد في وسائل الإعلام المختلفة للحديث عن الآثار السلبية على المستوى الصحي والنفسي والاجتماعي لتلك السلوكيات العدوانية، واستخدام أساليب التعامل الإيجابية في المواقف الضاغطة حفاظاً على صحة الفرد وأمن المجتمع.
أكاديمياً
ويعرف الدكتور العاسمي العدوان بأنه هو السلوك الذي يسبب الأذى المتعمد لشخص آخر. وبشكل أكثر تحديداً يتم تعريف العدوان على أنه (أي تسلسل للسلوك، يكون رد الفعل الهدف هو إصابة الشخص الذي يتم توجيهه إليه)، وقد يكون هذا السلوك فطرياً لدى الفرد أو مكتسباً من خلال التعلم والخبرة. ويعتقد بعض علماء النفس أن جميع البشر يمتلكون منذ الولادة دافعين أساسيين يساهمان في تنمية شخصيتهم وسلوكهم: الدافع للعدوان، والدافع وراء المتعة.
فغريزة العدوان أو الطاقة المدمرة، تعبر عن نفسها في العدوان تجاه الآخرين وتجاه الذات. علاوة على ذلك تسعى القوتان البدائيتان غريزة الحياة والموت إلى التعبير الدائم والرضا، بينما في الوقت نفسه يعارض أحدهما الآخر في اللاشعور، هذا الصراع هو أصل كل عدوان. بينما يرى بعض علماء النفس أن السلوك العدواني هو سلوك مكتسب ومتعلم من خلال التنشئة الاجتماعية وثقافة المجتمع التي تعزز السلوك العدواني، حيث يعتقد أصحاب هذا الرأي أن العدوان يتم تقليده من خلال التكيف، وأن التعزيز يمكن أن يكون غير مباشر، فمشاهدة السلوكيات العدوانية تزيد من احتمالية تصرف الفرد بعدوانية في المواقف المختلفة، وأنه عندما يتم تعزيز النموذج العدواني بالثناء والمديح من قبل بعض أفراد المجتمع، يصبح السلوك العدواني مقبولاً لدى بعض الناس.