التذكير بالخطوط الحمراء
لم يعد صوت الحرب مرجحاً راهناً، فرغم الفوضى والصراعات في العلاقات الدولية في مختلف القضايا والملفات الحساسة، ورغم وصول الأمور في بعض الأحيان إلى شفير الهاوية، فالواضح أن صوت السلام هو المرجح والمطلوب أكثر مهما تنافرت وتضاربت المصالح في ساحة جغرافية ما، وهذه الساحة بدورها هي التي تفرض السلام كما تفرض الحرب كذلك إن ضاقت الخيارات لكن الخيار الثاني يبقى الأخير.
مُجدداً تمسك روسيا بقواعد اللعبة وتنجح هذه المرة أيضاً في فرض وقف لإطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم “ناغورني قره باغ” المتنازع عليه، مستكملة مسار رعايتها للسلام جنوب القوقاز انطلاقاً من دورها الفاعل دولياً، وتأكيداً لأهمية إيجاد أرضية مشتركة بين دول القوقاز أساسها إحلال مرتكزات السلام بعيداً عن الصراعات، وبالتالي ضماناً لأمنها القومي وحماية مصالحها في منطقة غاية في الأهمية والحساسية.
اقتنعت كل من باكو ويريفان بأن تدحرج الأمور إلى الحرب لا يصب في مصلحة أي منهما وأن الخسارة ستصيب كليهما وإن بدرجات متفاوتة، وبرعاية روسيا للسلام في منطقة جنوب القوقاز تكون سُدت ثغرة في جدار الأزمة، وبدرجة أكثر تكون موسكو قطعت الطريق على محاولات أطراف دولية إحاطتها بكرة نار ملتهبة.
السلام لن يروق للكثيرين ولاسيما أمريكا و”ناتو” وحتى تركيا، فواشنطن و”ناتو” فقدوا أوراق الضغط على روسيا وحتى إيران، أما تركيا وإن “رحبت” بالاتفاق لكنها في الحقيقة تلقت ضربة غير مباشرة لمطامع أردوغان التوسعية.. ضربة مزدوجة سياسية واقتصادية هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن روسيا وإن توافقت مع تركيا في ملفات معينة، لكنها في الواقع لن تمد الحبل طويلاً لأردوغان المتصف باللعب على المتناقضات وهذا لا يصلح مع دولة ذات ثقل سياسي دولي كروسيا.
مسار حل الأزمة بين باكو ويريفان لا يزال طويلاً، لكن خطوة روسيا تؤسس لتسوية مريحة للطرفين ولفترة زمنية ليست بالقليلة لأن الحل الجذري للأزمة لا يتم بين ليلة وضحاها.
استكمال روسيا رعايتها للسلام في جنوب القوقاز هو بمنزلة إعادة التذكير وتأكيد خطوطها الحمراء التي لن تسمح لأحد بتجاوزها أو المساس بها.