“السقوط” في ساحة التشكيليين… محمد ديوب يدعو إلى اهتمامٍ حقيقي 

الحرية- لبنى شاكر :

اللون الواحد والصوت الواحد والرؤية الوحيدة؛ ربما تكون هذه السمات الأبرز للمشهد الثقافي، طيلة الخمسين عاماً الماضية تحت حكم النظام البائد، فالتنوع والتعدد والانفتاح على الآخر الشريك في الإنسانية والوطن، كانت خطراً وتهمةً قوبلت بالمُلاحقة والاعتقال، عدا عن تفضيل أسماء وتهميش أخرى في مُختلف الأوساط، من هنا كان سؤالنا “كيف سينعكس سقوط نظام الأسد بوصفه حدثاً مفصلياً في تاريخ سوريا المعاصر، على الساحة الثقافية المحلية، ومن ضمنها التشكيل؟”.

يتحدث الباحث والفنان محمد ديوب لـ “الحرية” عن معاناة التشكيل القائمة أصلاً، وليس محلياً فقط إنما عالمياً أيضاً، تبعاً لِطبيعته الإبداعية ومحدودية انتشاره كونه يُخاطب النخبة، وبالتالي قلة جماهيريته مقارنةً بالفنون الأخرى، ويرى إن “الثقافة العربية تفوقت بالنص الذي يعتبر الأول في عناوينها أمام الثقافات الأخرى، حيث كان الفن التشكيلي أهم سمات التعريف بخصوصيتها، وعبر آلاف السنين كان الوحيد الذي بقي إزاء النصوص التي اختفى أغلبها، فالمنحوتات ولوحات الفسيفساء قاومت عوامل الزمن وبقيت شاهداً مُعرّفاً بالحضارات القديمة أكثر من النص، باستثناء بعض الرقيمات أو الكتابات المنقوشة على الصخر، ولم تُفك رموز بعضها بدقة”.

ديوب صاحب التجربة المتشعبة في ميدان التشكيل، وفي أبرز محطاتها تدريسه للفنون البصرية والتصميم في سورية وخارجها، والتدريس ‏أيضاً في كلية العمارة للمواد التي ترتبط بالفنون الجميلة، كذلك عمله في تأسيس استوديو فني منذ ‏عام 1983، جدّده مؤخراً ليكون بمثابة مشروع فنيِّ وتدريبيٍّ في آن واحد، وفي السياق أيضاً واحد وعشرون معرضاً فردياً في سورية وخارجها، أشار إلى الدور الكبير للمؤسسات الثقافية في رعاية المنجز الثقافي، ولكن، يقول “عندما تتحكم الفردية في احتكار المشهد الثقافي تبرز المشكلة وآفة التعطيل، إذا لم تأخذ المؤسسة بالجهد الجماعي وإعطاء الفرص بالتساوي للمبدعين، ورعايتهم مادياً وإعلامياً، لأن التشكيل يحتاج إلى المكان والمواد والترويج، وهذا كان شبه معدوم سوى من بعض الصالات الحكومية المتواضعة”.

مضيفاً “العرض في تلك الصالات غير مُجدٍ للفنان سواء من خلال مفهوم الرعاية الرمزية المقتصرة على تمثيل رسمي محدود أو التغطية الإعلامية، وحتى الحضور الذي يقتصر على الأصدقاء والمعارف هذا إذا لم يعتذر غالبيتهم ولهم عذرهم لانشغالهم بتأمين احتياجاتهم المادية الصعبة وخاصة في السنوات الأخيرة، والصالات الخاصة كانت تقتصر على مجموعة من الفنانين أخذوا اتجاهاً واحداً في نوعية العمل الفني لضرورة التسويق، والعرض لا يتم إلا من خلال علاقات شخصية وبما يطابق توجه الصالة أو مجموعات مغلقة من المُقتنين، لذلك نتأمل في المرحلة الجديدة أن يتم الاهتمام الرسمي والرعاية الحقيقية للفنانين التشكيليين وزيادة عدد المراكز الفنية التي تُعنى بالتدريب، وتجديد كليات الفنون الجميلة ودعمها بالمعدات والأدوات وإغنائها بالأساتذة الفنانين أصحاب الرؤى الإبداعية المتميزة”.

أمّا عن إمكانية أن يُقدم ديوب مُنتجاً فنياً يحكي عن الحدث التاريخي أو تداعياته المجتمعية، يقول لـ “الحرية”: “من خلال تجاربي الفنية المتنوعة والتي لا أُحددها بأسلوب واحد، كوني أحاول العمل من خلال تلقائية مبتعداً عن المباشرة في التعبير، لأن ذلك من وجهة نظري يقلل من قيمة العمل الفني، فلا شك أن الفنان سيتأثر بالأحداث والمتغيرات وسيتفاعل معها وستظهر بشكل غير مباشر تلك المؤثرات في عمله، وأنا بالمحصلة إنسان في مجتمع لا بد أن أعبّر بطريقتي الفنية عن الواقع وأتفاعل معه، لذلك ستظهر أعمالٌ عن المرحلة القادمة، ربما عن طريق اللوحة الفنية أو الجداريات أو من خلال أعمال الحداثة وفن الفيديو لمحاكاة ما بعد الحداثة والاتجاهات الفنية العالمية”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار