لم يكن حديث القائد أحمد الشرع خلال مقابلة مع “اليوتيوبر” الأردني جو حطاب أمس مجرد لقاء عفوي وحديث من القلب إلى القلب كما وصفه الكثير ممن شاهدوا اللقاء (الذين تجاوز عددهم المليوني شخص خلال ٤ ساعات على قناة اليوتيوب الخاصة بجو لوحدها)، بل يمكن وصفه بأنه خطاب إستراتيجي ومنهج عمل يضمن الالتزام به وحسن تنفيذه أن يضمد جميع السوريين جراحهم وأن يعيدوا صياغة دولتهم بما يحقق مستوى جيداً من العدالة بين المواطنين.
ولعل أكثر ما يريح القلوب هو تكرار القائد الشرع لضرورة أن يبدأ السوريون صفحة جديدة في حياتهم بعد كابوس عاشوه لأكثر من خمسة عقود في عهد النظام البائد، الذي حاك مؤسسات الدولة لمحاصرة الشعب وترهيبه، وزرع الخوف والشك بين الجميع، وبهدف تسهيل سرقة خيرات سورية وزرع ثقافة الفساد.
تركيز القائد الشرع على ضرورة أن تعود الناس إلى بيوتها بعد سنوات من التهجير والتدمير، وأن العفو الذي تعهدت به قيادة عمليات ردع العدوان لا عودة عنه لأنه يثبت المصداقية، وستلتزم به الدولة السورية الجديدة تجاه كل من لم تتلطخ يداه بدماء السوريين، كان يعبر عما يجول في خواطر غالبية السوريين.
ولعل من أهم الجمل التي قالها القائد الشرع هي: العقلية الثأرية لا تبني، نصر لا ثأر فيه، لغة الثأر بعيدة عن أهل الشام، الموازنة بين حق الناس الشخصي والعفو العام، توافق مجتمعي لم يجربه السوريون منذ ٥٠ عاماً، ضمان حقوق الضحية وحقوق الجاني، البناء أولى من الحقوق الشخصية، عقل الثورة لا يبني الدولة، أحسنوا الظن.. والتي بمجملها تدعونا جميعاً للالتفات إلى بناء وطننا حتى نلحق بما فاتنا بعد سنوات طويلة من ظلم النظام البائد، ومن حرب طويلة وقاسية، وأن الدولة تتعهد بتحصيل الحقوق وفق الأنظمة والقوانين.
صحيح أن القائد الشرع لم يتوسع خلال اللقاء كثيراً بما يخص الجانب الاقتصادي والمعيشي، لكنه أعطى مؤشرات مبشرة في هذا المجال من خلال التأكيد على إعادة بناء مؤسسات الدولة ووضع خطط إستراتيجية والعمل على متابعتها وتنفيذها على مستويات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد وصولاً إلى تحقيق الأهداف.
كذلك ثقة القائد بأن غالبية السوريين في الخارج سيعودون إلى بلدهم خلال عامين، وبأن جواز السفر السوري سيصبح مصدر عز وفخر لحامليه، بعد أن كان ضعيفاً مُذلاً رغم أنه اغلى جواز سفر في العالم..!
كما أن دعوة القائد الشرع للصبر بين المواطنين في التعامل مع بعضهم البعض، بعد النصر، من خلال خطط إستراتيجية ثقافية دينية تعليمية إعلامية، يوحي بنهج إعادة تشكيل مفهوم المواطنة، بعد عقود من تكريسها للخوف من آل الأسد وأجهزتهم الأمنية، ضمن حرية التعبير عن الرأي بلا خوف.
نعم كان كل حديث القائد الشرع جوهرياً يلامس القلوب والعقول، لكن (برأيي الشخصي) كان أجمل ما فيه بأن السوريين حققوا معجزة نسيتها شعوب الأرض منذ قرن، بانتصار المستضعفين بقوة الحق والإيمان، وضرورة كسب الناس.
من هنا يجب أن ينطلق الجميع إلى العمل، وأن يتوادوا ويتراحموا ويتسامحوا ويتعاونوا، وأن يبتعدوا عن عقلية الثأر الهدامة والتصرفات الفردية التي تسيئ لنصر الشعب، وأن يؤمنوا بأن استتباب الأمن هو المنطلق في الوصول إلى أهدافنا الاقتصادية والاجتماعية والعودة بسورية إلى تاريخها المجيد كدولة تجمع أركان الحضارة ومثل يحتذى بين الأمم.